يتم التشغيل بواسطة Blogger.

بين لَوحيـن

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات
 
  
لن أنسى الطنين الذي تركته صفعته القوية، سمعت كل أنواع الرنات ومنبهات السيارات في وقت واحد، وظل نقش أصابعه الخشنة ماثلا على خدي لأيام، كانت صفعة العمر بلا ارتياب.
 ألم الصفعة "فيزيائيا" لم يكن بقوة ألمها الحسي، الذي ترك أثرا غائرا في نفسي، وإلى اليوم اسأل الله أن يتجاوز عن معلمي، ويغفر ظلمه لي ذلك الضحى.
كانت الجريمة التي أقيم علي الحد بسببها، أنني غسلت لوحي وسكبت فضول الغسيل على الأرض، ورغم أن المذنب الحقيقي زميلي في "المحظرة"، إلا أن غضب المعلم "لمرابط" حينما رأى منظر الحبر المسكوب على التراب أعماه عن البحث عن الفاعل، ولسوء حظي كان خدي الأقرب إلى كفه.

 
تذكرت هذا "المشهد الأليم" وأنا أقلب لوح الآيباد الجديد الذي اقتنته زوجتي المصون، تذكرت لوحي الخشبي العزيز الذي اشترته لي جدتي عندما ذهبت أول يوم للمحظرة، كان لوحا متميزا حينها، نجر من جذع شجرة لا أعرف اسمها، إلا أن اصدقائي قالوا إنها شجرة سحرية تنبت في أدغال إفريقيا، لذلك كانوا يبتعدون عن لوحي خوفا من لعنة "الشجرة المسحورة"، ويرفضون وضعه مع بقية الألواح.
 
كانت ألواحنا محاطة بهالة من القدسية والاهتمام الخاص، فلا يجوز قلب اللوح رأسا على عقب، وويل لمن يسقطه على الأرض، وكنا أحرص على نظافته من نظافة وجوهنا، بل وصل تطرف البعض في تقديس اللوح إلى شرب الحبر الذي كتبت به الآيات عليه عند غسله!!
 
أما حجم اللوح وكبره، فكان مقياسا مهما يحدد أمورا كثيرا، فكلما زاد عرض اللوح أو طوله دل ذلك على مستوى الطالب في المحظرة، وما وصل إليه من علوم، كما أنه دليل على مستوى أسرته المادي، فالفقر كان يحول بين بعض الصبية وشراء ألواح جديدة، ولازلت أذكر أن بعضهم كان يتقاسم لوحا واحدا، هذا يكتب على وجه والأخر على الوجه المقابل.
 
تذكرت هذه الصور والحسرة تملأ قلبي، فقد أوصلت العلوم التي كتبت على ألواح أجدادنا صيت شنقيط إلى مشارق الأرض ومغاربها، وها نحن اليوم نتباكى على مجدهم الأثيل، ويعتاش بعضنا على ما تركوه من ذكر حسن، بينما يلهو أبناؤنا بلعبة "الطيور الغاضبة" على ألواحهم الإلكترونية الجديدة..
 شتان بين اللوحين.  
 
 


0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي