يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إسلاميو موريتانيا..طبعة خاصة

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : | 1 التعليقات



يتحدث القيادي الإسلامي محمد غلام ولد الحاج الشيخ نائب رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني (تواصل) عن أهم التحديات التي تواجه التيار الإسلامي الوسطي في موريتانيا، وحيثيات التجربة السياسية التي عايشها حزبه "تواصل" -المحسوب فكريا على حركة الإخوان المسلمين- في العمل الميداني؛ بعد الانتقال من مرحلة القمع والتضييق الرسمي -التي عانى منها قادته ومناضلوه إبان حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع- إلى مرحلة العمل الحزبي المنظم من خلال هيئاته الحزبية، وممثليه في البرلمان بغرفتيه، وعمده في البلديات، ويستشرف مستقبل الحراك السياسي في نواكشوط من خلال معايشته للواقع المحلي والحراك الدائر حالياً بين المعارضة والموالاة.


ويتطرق محمد غلام -الذي يرأس الرباط الوطني لنصرة فلسطين في موريتانيا- لمشاركته في أسطول الحرية، واصفاً المعاناة التي عايشها نشطاء السلام ودعاة كسر الحصار عن غزة أثناء الاعتداء الإسرائيلي على سفن الأسطول، ومبرزاً العوامل الأساسية التي جعلت الشعوب العربية تعلق آمالاً كبيرة على مواقف الحكومة التركية، بعد أن تخلت أغلب القيادات العربية عن واجبها في دعم الشعب الفلسطيني.



لا تشكيك في انتخابات يوليو 2009



- يمكن القول إن قيادات التيار الإسلامي في موريتانيا عايشت شتى صنوف العمل السياسي، فمن السجن والمطاردة إلى الحضور في البرلمان والمجالس البلدية، مروراً بالمشاركة في آخر حكومة للرئيس السابق، هلا حدثتنا عن تجربتكم هذه؟

اعتقد أن النضال ضد نظام ولد الطايع كان استثناءً في مسلماتنا السياسية، فنحن عندما نترك لحال سبيلنا، وعندما لا نستهدف في أعز ما نملك وهو قيمنا ومبادئنا التي نناضل من أجلها خدمة لمجتمعنا ومشروعنا الذي ندعو إليه، وعندما لا نعامل بالتسلط والقهر السياسي، فوضعنا الدائم هو نقطة الوسط، أي أن نكون للجميع وان نكون مع الجميع؛ ونمد يدنا للكل، وهذا هو وضعنا الآن.

فمنذ سقوط النظام الماضي في 2005 بدأنا بحوار مفتوح مع السلطة العسكرية يومها من أعلى الهرم إلى أسفله، ثم واصلنا ذلك الحوار مع الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ومع كل الجهات الأخرى، وبعد الانقلاب الأخير دخلنا في الجبهة الوطنية لمعارضة الانقلاب، لأننا لا نوافق على الاستيلاء على السلطة بالقوة، ثم بعد انتهاء الأزمة باتفاق دكار الذي توصلت إليه القوى السياسية، رأينا أن الوفاء للقيم الديمقراطية وللعهود التي قطعناها على أنفسنا في دكار كل هذا يقتضي أن نعترف بنتائج انتخابات 18 يوليو 2009 التي لم نجد ما يبرر رفضها أو التشكيك فيها عملياً بأي شيء موثوق، ولذلك اعترفنا بنتائج الانتخابات واتخذنا الإجراءات والخطوات التي تترتب على هذا الاعتراف، والتي من أهمها الاعتراف بالنظام الذي أصبح نظاماً منتخباً من طرف الشعب الموريتاني، وأخلاقيات الديمقراطية تحتم علينا إعطاءه الفرصة كاملة لتطبيق برامجه ووعوده، ونحن من عادتنا أن نتخلق بما يفرضه علينا القرآن من قوله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، والعدل مقتض أن نتيح الفرص، وان لا نتحامل على كل شيء.

لذلك موقفنا اليوم هو موقف تهدئة مع كل الدوائر؛ سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، نحن نحمل الخير للجميع، ونود أن تكون لدينا فرص وأقنية سالكة في كل الاتجاهات.

- يصف البعض مداخلات نواب حزبكم "تواصل" في الجمعية الوطنية بالتحيز أحياناً للحكومة، فيما يقول آخرون إنها تعبر عن دراية أكثر ودراسة متعمقة لمشاريع القوانين التي تعرضها الحكومة، ما رأيك؟

تفرض علينا أخلاقياتنا أن نعدل في النقد والمعارضة؛ وكذلك في التأييد والمساندة، وهناك لجان تهتم بمساعدة النواب والمنتخبين في الحزب وأعضاء الهيئات الاستشارية، وإعداد ما يعينهم على تأدية مهامهم على الوجه الأكمل، سواء بتوفير المعلومات أو تقديم الشروح اللازمة وغيره من الأمور الأخرى، مع أن عمد ونواب الحزب هم أصلاً نخب وطليعة من أبناء الشعب الموريتاني وأطره المتميزين، مثلا النائب السالك سيدي محمود يقوم بعمل جبار كمقرر للجنة الدائمة لميزانية الدولة، حتى إن بعض المنتسبين لبعض الأحزاب الأخرى يقولون إن ما يقوم به هذا الرجل لوحده يعدل عمل مجموعة متكاملة.

كفاءة منتخبينا لا تحتاج برهانا، وهم لا ينظرون للمصلحة العامة من زاوية واحدة، سواء كانوا في المعارضة أو في الحكومة، فإن أحسنت الحكومة في شيء اقروه وثمنوه، وكذلك المعارضة إن أحسنت في أمر آخر أعانوها، وبالتالي مداخلاتهم بكل تأكيد متميزة بالجرأة في قول الحق، وكذلك الشجاعة على الاعتراف بالجميل لأهله، واعتقد أن التجربة أثبتت أمراً مهماً وهو أن الإسلاميين من خلال أدائهم بإمكانهم أن يكونوا شركاء للجميع، وأن يكونوا جزءاً من الجميع، وحتى من منطلق كوني مهتماً بالإصلاح أرى أن الإسلامي يجب أن يثبت أنه ليس شخصية متحجرة غير طبيعية.

والرابط الأهم في مداخلات نوابنا هو أنها جدية، وتنبع من تفكير واطلاع كافٍ على كل الطروحات، بالإضافة للإحساس بمشاكل الشعب.

التيار الإسلامي الموريتاني طبعة خاصة

- تتعدد أسس العمل السياسي الإسلامي في العالم، وعاشت الحركة الإسلامية تجارب ونجاحات في بعض البلدان كتركيا مثلاً، وعانت إخفاقات ومصاعب في بقاع أخرى، من أي التجارب يستلهم التيار الإسلامي الموريتاني فكره؟

الحركات الإسلامية تتقاطع في كثير من الاهتمامات السياسية أو الفكرية، والتشابه في أدائها قد يكون نتيجة الخلفية والمدرسة الواحدة التي تنهل منها هذه الحركات، وربما من الطريقة المتشابهة في الاستنباط.

فعندما يتحدث مثلاً إسلامي وسطي في بنغلاديش تجد صدى لحديثه في المغرب العربي أو أي مكان آخر، وهذا التشابه مرده المعدن الفكري الواحد، وإن اختلفت الضوابط التنظيمية.

والحركة الإسلامية في موريتانيا تتميز بأنها طبعة خاصة نشأت في البيئة الموريتانية، وتميزت بتميز الشخصية الصحراوية الحافظة، التي لديها إنتاج محلي في التجارب الإسلامية، فمنذ الشيخ عمر الفوتي ودعوة الشيخ محمد المامي مروراً بالشيخ سيد المختار الكنتي ووصولاً إلى الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا وابنه باب في القرن الماضي، أعطت الحركة الإسلامية في موريتانيا لعملها أبعاداً مجتمعية، فالعلوم الدينية التي تميزت بها هذه البلاد كانت معيناً ومنهلاً للحركة الإسلامية المحلية، وكانت مميزاً للحركة عن غيرها.

كما أن الاطلاع على تاريخ وتطور الحركات الإسلامية الأخرى في الخارج جعل الحالة الإسلامية في موريتانيا تستفيد من جملة التجارب والأخطاء التي مرت بها الحركات الإسلامية الأخرى، سواء كانت في المحيط القريب أو البعيد، لذلك حاولنا منذ فترة أن نجنب بلادنا المزالق التي هوت فيها بلاد أخرى، وحاولنا في أولى التجارب السياسية للتيار الإسلامي الموريتاني أن نطرح أهدافا "مروضة" تسعى للمشاركة وليس الغلبة والسيطرة، ولا الانفراد بالقرار والساحة، خصوصاً بعدما عرفت أجهزة الدولة أن التنكيل بالخصوم لا يمكن أن يطبق على الحالة الفكرية الإسلامية التي تعتبر جزءاً من كينونة الشعب الموريتاني، وغير مقدور على استئصالها عبر تجفيف المنابع.

لذلك أعتقد أنها بشرى للشعب الموريتاني أن يكون هناك جيل سياسي واع منضبط، مثل الحضور الفكري الإسلامي المعاصر بخلفية حضارية متميزة، وبواقعية في الطرح السياسي، وبقبول وإنصاف للآخر والتعامل معه، وأعتقد أن التيار الإسلامي في موريتانيا يقود التحديث اليوم في البلاد، وأتحدث هنا عن الحداثة الحقيقية التي تتناسب وخصوصياتنا كمجتمع متدين تقليدي؛ يحتاج لمن يقود تحديثه وتأطيره حضارياً من جديد؛ بما يتسق وأغلى ما يملك ألا وهو دينه وقيمه وثوابته.

- منذ فترة ثار نقاش في الساحة السياسية المحلية حول الهوية واللغة العربية، وهناك من اتهم علانية حزبكم بالميل لطرف دون آخر، ما حقيقة ذلك؟

هذا اللغط أثير من طرف زملائنا في الساحة المحلية من القوميين العرب أساساً، ولعل روح المنافسة والاصطياد هي التي حملت إخواننا على محاولة البحث عن نقاط يرون هم أنها نقاط ضعف؛ أو مشاجب يعلقون عليها جملة من المقولات الدعائية، وارتأينا أن لا ننزل بهذه الأمور إلى الشارع والناس، وطلبنا منهم أن يوقفوا هذه الحملة غير المبررة، لكنهم للأسف رفضوا هذا الطلب، بل جعلوا من تواصلنا معهم وقوداً لحملة إعلامية هبط بها أتباع الطرفين وبعض قياداتهما للأسف إلى مستوى لم نكن نرغب في الوصول إليه، وأعتقد أن الحملة كانت بعيدة عن الوحدة الوطنية، علماً بأنه لم يكن هناك أي تصريح يستهين باللغة العربية أو ينتقص منها أو يطالب بحذفها من الإدارة كلغة رسمية أقرها الدستور، وهذا الأمر محسوم نظرياً وعملياً وليس مجالاً للبحث أصلاً.

كان موقفنا مغايراً للقوميين التقليديين سواء العروبيون منهم أو الزنوج، موقفنا لا يدعم الفرانكفونية ولا يتبناها، ولا يدعم في ذات الوقت أن تكون اللغة العربية كلغة عرق أو مجموعة تفرض على الآخر، ولكنها لغة رعاها الإسلام وينبغي أن نعرضها كأكبر حتى من مجرد لغة وطنية لانتسابها للدين، وأن ننقيها من الشوائب العرقية ونقدمها للآخر كلغة رسمية للبلد، والتحامل على هذا الموقف من طرف البعض لم يكن له أي سبب ولا مبرر؛ وهي فتنة للأسف جرت بين الفريقين ولم يكن ينبغي أن تصل لما وصلت إليه.

- بعيداً عن السياسة، هل لحزبكم دور في العمل الاجتماعي الخيري؟، أم أن جهدكم منصب على الوصول للمناصب والرتب كما هو حال أغلب الأحزاب العربية؟

أفراد التيار الإسلامي في موريتانيا لهم اهتمامات متشعبة ومتنوعة، من البيئة إلى السياسة مروراً طبعاً بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وتضرب اهتماماتنا بأطنابها في العمل الدعوي والتعليمي والثقافي والاجتماعي والإغاثة والمرأة والشبيبة، إلى آخر هذه المجالات التي لم نرد أن تظهر في قالب مسيس، لكن للأسف في الفترات الأخيرة بدا لنا أن الناس لا تشاركنا ذات الإخلاص في تقديم الخدمات للمجتمع مجردة عن انتمائها السياسي والفكري؛ ونحن حريصون أن تظل هذه المبادرات خاصة بالمجتمع وبعيدة عن الاستغلال السياسي المباشر، وأذكر عندما غرقت مدينة الطينطان شرقي البلاد في مياه السيول منذ عامين أننا أقمنا حملة إغاثة كبيرة، ولا أنسى حين اقترب مني رجل طاعن في السن من أهالي البلدة وقال: أنا لست من حزبكم ولكني محتاج وأريد أن استفيد مما تقدمونه من معونات، قلت له: يا أخي نحن لسنا هنا كحزب سياسي، بل في حملة إغاثة للجميع، وانتم جميعاً أهلنا وتستحقون علينا الخدمة؛ وبعد أن تتخطوا هذه الحال اختاروا لأنفسكم من تشاءون بين السياسيين.

نحن كنا وما زلنا نعتبر العمل الإغاثي والاجتماعي والحملات التثقيفية للمجتمع هدفاً ومهارة مكتسبة، وكذلك عملاً نجد فيه أنفسنا، ونشعر بلذة خاصة تغمرنا عندما نقدم لقمة لجائع أو ثوباً لعار أو دواء لمريض.

- كيف ترى المستقبل السياسي في موريتانيا في ظل الأزمات الراهنة التي تعرفها العلاقة بين الحكومة والمعارضة؟

المشكلة الحقيقية في طريقة تسيير أمور الحكم، هنالك خياران للحكم أمام الأنظمة في موريتانيا وفي البلدان الأخرى في العالم الثالث، إما حكم فردي أو جماعي.

وأعتقد جازماً أن كل الرؤساء الذين مروا بموريتانيا منذ الاستقلال كانوا يسعون لبناء البلاد وازدهارها، فالقادة العسكريون جميعاً كانوا يحاولون فعل ما يرونه صواباً لبلدهم من وجهة نظرهم هم، فالرئيس ولد هيدالة مثلاً إبان حكمه جال في الأسواق، وعايش هموم الناس، وراقب الأسعار، والرئيس معاوية بذل خلال عقدين من حكمه، ما رآه هو مناسباً للشعب الموريتاني، شق طريقاً هنا، ودشن مستشفى هناك، ولكن في النهاية كل هؤلاء وصل لطريق مسدود، لأن طبيعة الحكم الفردي الذي اتبعوه تعني عدم الأخذ بالرأي الآخر، فالحكم الفردي لا يسمح بظهور القيم الحميدة وحرية الرأي والانتقاد، بل يعتبر بيئة خصبة للنفاق والتملق، وظهور أناس لا رأي لهم، وهؤلاء بطبيعتهم ليسوا مخلصين لكونهم يحجبون عن الحاكم حقائق الأمور، ليصل في النهاية أي حكم فردي إلى طريق مسدود.

النظام السليم هو العمل الجماعي، أي عمل الشورى والديمقراطية، العمل الذي يتسع لأصحاب الرأي، وأصحاب المشورة، ويقوم على أساس تقييم الناس وفق الكفاءة والأمانة، والقدرة على النفع العام لمؤسسات الدولة، ولا يقبل أن يساس الناس برؤية شخص واحد أو حزب واحد أو مجموعة وتيار أوحد.

وأنا اعتقد أن الطبقة السياسية في موريتانيا ملت الانفراد بالحكم، ففي كل حقبة يأتي من يحسب أن له من السطوة والمنعة والقوة ما يستطيع به السيطرة على البلاد، ولنتذكر أن آخر خطاب لمعاوية ولد الطايع سنة 2005 قال فيه إنه لن يأتي انقلاب جديد، ليطاح به بعد أيام في انقلاب تلته انقلابات أخرى.

أنا أقول إنه إذا ما وفق الله أهل موريتانيا وخصوصاً الطبقة الحاكمة لأن تفهم أن الرئيس يحكم كل الناس، ويجب أن لا يسعى من دونه للاستحواذ على أكبر قضمة من الكعكة فيما يبقى السواد الأعظم محروماً من خيرات بلاده، يجب أن تظل أهم مقدرات الأمة مسخرة لخدمة الناس وبناء مستقبل البلاد.

إذا اتفق الفرقاء على صيغة شراكة وطنية في الرأي والتدبير وأتحنا فرصة لمجمل الطيف السياسي المحلي أن يسهم في عملية البناء، فسنعيش سنوات قادمة منزوعة فتيل الفتنة بين المعارضة والموالاة.

- كنتم حزباً مشاركاً في الحكومة التي أطيح بها في انقلاب 6 أغسطس 2008، ما هي طبيعة علاقتكم حالياً بالرئيس ولد عبد العزيز وحكومته؟

السؤال يطرح دائماً، ومن الشائع القول إننا اتخذنا مواقف معينة في جهة ما، أنا اعتقد أن الفترة الحالية تأتي بعد مرور البلاد بالكثير من الهزات والأزمات السياسية التي نحسب أن مواقفنا خلالها كانت واضحة ومشرفة، دفاعاً عن الوطنية والديمقراطية، ولكن بعد اتفاق دكار أصبح اليوم من مصلحة الشعب والدولة الموريتانية أن نعطي فرصة للتنمية والاستقرار، خاصة بعد انتخاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز بشكل شرعي، وأن نتيح له فرصة لتطبيق برنامجه.

أعلم أننا اتخذنا مواقف من الناحية السياسية قد تخدمه، وتسحب فتيل الصدام، وهي مواقف مقصودة، ونحن واعون للنتائج المرجوة منها، فنحن لا يسيئنا أن تستفيد الحكومة من فرصة تمكنها من التفرغ للعمل التنموي. وكثيرون في الساحة المحلية يتساءلون عن ما جنيناه من هذا التصرف، فإن كان هذا التساؤل يخص المناصب أو التعيينات فنحن في ظل هذا الحكم لم نسجل أي حالة من التعيينات لأي من أطر الحزب، ولكن أنا أعتقد أننا ما زلنا في البدايات ولعل الجو العام الحالي يساعدنا على التفرغ للبناء السياسي والتفكير خارج نطاق هالة الأزمة، وهذه كلها أنواع من الاستفادة مع مناخ الحرية في إقامة المؤتمرات والفعاليات السياسية التي قاد فيها الإسلاميون ليس فقط العمل السياسي، بل حركوا كذلك راكد العمل الثقافي والفكري في الساحة الموريتانية.

والبلاد محتاجة لمواقف مماثلة من بقية الأطراف السياسية، ونحن تواقون لأن تكون الدولة الموريتانية للجميع، يجد فيها كل منتم لأي حزب حقه ومكانته الحقيقية.

- أنت ترأس الرباط الوطني لنصرة فلسطين، وسعيت مؤخراً لجمع التبرعات والعون للمحاصرين في غزة، حدثنا عن هذه التجربة، ومدى تفاعل الشارع الموريتاني مع القضية الفلسطينية.

الشعب الموريتاني رغم ارتباطه بالبداوة وحداثة عهده بالمدنية والعمل الاجتماعي -وهي عوامل بالفعل تترك بصمات ماثلة على الأداء المؤسسي في الدولة- إلا أن الولاء الفطري لقضايا الأمة - وخصوصاً القضية الفلسطينية- كان عاملاً محفزاً وبقوة للإسهام في جمع التبرعات.

ومنذ استقلال موريتانيا ومروراً بمختلف الأنظمة التي حكمت البلاد، كان أداء الرؤساء الموريتانيين -باستثناء السنوات الأخيرة من فترة ولد الطايع- تجاه دعم الحق الفلسطيني ثابتاً ومشرفاً بشكل عام.

وخلال مشاركتنا في أسطول الحرية، التي أعتبرها شرفاً وتاجاً على رأسي، كانت مشاعر الشعب الموريتاني ومشاركته فوق ما كنت أتصور، وكانت الحملة التعبوية محل إجماع تام من مختلف الطيف السياسي المحلي، سواء من طرف السلطات الرسمية في البلاد، أو المعارضة، أو حتى من عامة الناس.

ومنذ عودتي للبلاد الشهر الماضي ملأت الحشود الشوارع واستقبلني الصغار قبل الكبار في المطار، وما زلت حتى اليوم أستقبل الزوار والمهنئين في بيتي، وأنا أعلم أن هذا ليس تقديراً لشخص، بقدر ما هو تضامن مع القضية الفلسطينية والجهاد في أرضها المباركة ضد المحتل الغاصب.

الشعب الموريتاني كما قال عنه أحد الفلسطينيين عندما جاء إلى نواكشوط؛ وشاهد الحماس والحب الغامر لكل ما يمت بصلة لتلك الأرض وأهلها، قال: " ما كنت أحسب أني قطعت كل هذه المسافة إلا لأبتعد عن فلسطين، فلما وصلت لموريتانيا وجدتني كنت أقترب منها أكثر".


مشاهد من سطح "مرمرة"

- شاركت في أسطول الحرية، وكنت من بين ركاب سفينة مرمرة التي هاجمتها البحرية الإسرائيلية واستشهد على متنها عدد من النشطاء الأتراك، كيف تصور لنا الواقعة؟

الموضوع أوسع من أن أتحدث عنه باختصار، ولكن هنالك نقاط سريعة أوجزها لما رأيته خلال رحلة سفن "الحرية"، أول هذه النقاط أنني كنت مشدوهاً وأنا أنظر للمتضامنين من نشطاء السلام الغربيين من فتيات وشيوخ ورجال من غير أمتنا العربية الإسلامية، وهم يضحون بأرواحهم من أجل قضية قد تكون لا تمسهم كما تمسنا، بعضهم قال لي إنه لا تعنيه حركة حماس أو الجهاد أو من يحكم القطاع، بل هدفه إيصال المواد الغذائية والملابس لأطفال غزة ونسائها وشيوخها.

كل من كان على سفينة مرمرة كان مستعداً -فعلاً لا قولاً- للتضحية، لأن مواجهة العدو الصهيوني أمر حتمي، وتاريخ إسرائيل مع القتل والتنكيل والتعامل المتعسف ليس أمراً جديداً، وهو ما جعل كل من على السفينة متهيئاً لكل الاحتمالات، البعض كتب وصيته، وهناك من رمى هاتفه في البحر، وآخر يتصل بأهله مودعاً ليوصيهم ببعض أموره، كل هذا يؤكد أن كل الاحتمالات كانت واردة والجميع متحسب لها، بما فيها ضرب السفينة بصاروخ أو إغراقها.

هذه الاحتمالات روجتها قبل الرحلة مواقع إسرائيلية، بعضها تحدث عن وجود أسلحة وطائرات هيلكوبتر على السفينة، والهدف من هذه الشائعات تهيئة الشارع الإسرائيلي لأي عملية قد يقوم بها الجيش الإسرائيلي، الخطر كان محققاً والجميع تحسب له.

الدرس الآخر المهم جداً، هو أن المجتمع المدني أثبت أنه يستطيع أن يفعل الشيء الكثير، وأن يغير الواقع المرير الذي يعيشه المحاصرون في غزة، التغيير من غير سلاح ولا جيوش جرارة، بل إن هذه المبادرة أحرجت الكيان الصهيوني، وحطمت اثنين من الأسس التي بنا عليهما خرافة الدولة الصهيونية التي لا تقهر، الخرافة الأمنية التي تؤكد لليهود أن إسرائيل محاطة بجدر من كل النواحي ولا يمكن الوصول إليها، وخرافة أخرى خلقها الإعلام الغربي الذي يصور إسرائيل كدولة ديمقراطية خيرة، مزدهرة اقتصادياً وسياحياً، وتحيط بها بلدان معادية تتحين الانقضاض عليها. اعتقد أن أسطول الحرية حطم الاثنين معاً.

دروس مهمة جداً استلهمها العالم من أسطول الحرية، من أهمها أننا عرفنا مدى معاناة وصبر إخوتنا في فلسطين المستلبة منذ أكثر من 60 عاماً، نحن كمناضلين ضقنا ذرعاً بهم ولم نستطع صبراً عليهم لثمان واربعين ساعة، كنا نضج ونقرف ولا نتحمل تصرفاتهم العنجهية، تخيل أنهم يرفضون السماح لمرضى السكر بدخول الحمام، ويرفضون إعطاء المياه للأطفال والنساء، وأزيز طائرات الأباتشي -التي كانت فوق رؤوسنا طوال النهار- لم يتوقف منذ اقتربنا من شواطئ غزة، تثير مياه البحر علينا من النوافذ، ولم يحملوا الجرحى من السفينة إلا بعد تفتيش طويل دام ساعات.

الجيش الإسرائيلي سرق أمتعة الموجودين على السفينة، ومستلزماتهم الخاصة، أنا مثلاً سرق كومبيوتري الشخصي بكل ما حواه من ملفات ووثائق عكفت سنين طوال على جمعها وتنقيحها، أي أنهم لم يسرقوا مجرد جهاز يمكن شراؤه من أي مكان، بل سطوا على ذاكرة عقد من الزمن، و"كناشي الأدبي" الذي جمعت فيه نوازل فقهية وأقوال أهل التفسير حول مسائل مهمة، وسرقوا مني شتات الشعر الموريتاني الجميل، لقد سلبوني جزءاً من حياتي، لم أكن أتخيل أن يصل الظلم والتنكيل لهذا الحد.

وللأسف هذا الإجرام الصهيوني ترعاه الحضارة الغربية، لا اعني هنا الحضارة بمفهومها العلمي والتاريخي، ولكن الدول المتحضرة التي تقوم بحماية وترويج مثل هذا الإجرام الذي حدثتكم عنه.

- هناك اليوم من يشكك في أن أسطول الحرية حقق كل هذه النتائج، بل ويعتبر أن مثل هذه المبادرات تؤثر تأثيراً عكسياً على أوضاع أهل قطاع غزة؟

أنا اعتقد أن إسرائيل وحلفاءها، أو من يصطفون في الجهة المضادة لمحاولات فك حصار أهلنا في غزة، استطاعوا الالتفاف على ما حققه أسطول الحرية وتضحياته، وكانوا سباحين مهرة، فبدلاً من أن يقفوا للموجة لتجرفهم، سايروها منذ اليوم الأول.

أعلن النظام المصري عن فتح معبر رفح، وقال توني بلير إنه لابد من رفع الحصار، ووجدنا فجأة أن دول الاتحاد الأوروبي أصبحت تعلم بوجود مأساة إنسانية كبيرة في القطاع، حراك هدفه امتصاص الصدمة، واحتواء التعاطف مع الأسطول، وشيئاً فشيئاً عادت أميركا مع مرور الوقت وفي أفق الانتخابات التشريعية القادمة لتقول على لسان رئيسها اوباما إنها تتفهم وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وتتعاطف معه.

للأسف هذه وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء، حين يترك أكثر من مليون ونصف مليون من الأبرياء تحت رحمة حصار ظالم وقتل جماعي بطيء، في الوقت الذي يبكي هذا العالم على جرح أو أسر جندي غربي هنا أو هناك، وكما قيل:

قتل امرئ في غابة مسألة لا تغتفر

وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر

أسطول الحرية نتائجه فاقت التوقعات، وهناك كثير ممن يحضرون حالياً لأساطيل جديدة بأفكار إبداعية ووسائل مبتكرة، وهنا أذكر بأن من يقولون بأن هذه المحاولات لكسر الحصار عن غزة وأهلها لا نتيجة منها، وأن لها أثراً عكسياً، هم ذاتهم الذين قالوا "إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة، إن يريدون إلا فرارا".

- تحولت تركيا لقبلة لنشطاء السلام وزعماء الحركات السياسية الممانعة والداعية لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، ألا تعتقد أن تمجيد الحكومة التركية وتثمين دورها وصل حد المبالغة فيه؟

اعتقد أن الدور التركي لا ينبغي أن يحمل أكثر مما يحتمل، ما يميز أنقرة أنها بلد ديمقراطي يتطور بشكل مطرد، ولها نجاحات اقتصادية وعسكرية، ويحكمها اليوم حزب لا يتنكر لأمته ولا يتنكر لشعبه، وكما قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بعد انسحابه الشهير من مؤتمر دافوس: "لقد تصرفت تصرف من يمثل شعباً عظيماً وحكومة قوية، وهم يريدون مني أن أتصرف كما لو كنت أمثل دولة ضعيفة وشعباً ذليلاً".

الدور التركي دور عادي، تركيا كدولة لم تساهم في أسطول الحرية، بل قامت الجهات الحكومية بتفتيش سفن الأسطول والتأكد من خلوها من أي مواد ممنوعة، وتأكدت من أنها تتوافق مع المواصفات الدولية المعتمدة في السلامة، لكن عندما هوجمت السفن والمتضامنون بهذه الوحشية، والسفينة اغلب من عليها أتراك وترفع العلم التركي، تدخلت السلطات التركية لحماية رعاياها، تماماً كما تدخلت دول عربية أخرى، ولا يفوتني هنا أن أثمن ما قام به الإخوة في المملكة الأردنية الهاشمية من رعاية وضيافة لنا وللنشطاء.

من الطبيعي جداً أن تكون مواقف تركيا -كدولة قوية ومهمة استراتيجياً- مثيرة للرعب في نفوس الإسرائيليين، الذين لا يدركون أن طريقتهم غير الأخلاقية في التعامل مع المبادرات السلمية المدنية، وتعنتهم وغطرستهم تزيد من إحراج حلفائهم حول العالم وكانت منهم تركيا.



الدور القطري وقمة غزة التاريخية

- كيف تصنف مواقف الدول العربية خلال أحداث أسطول الحرية؟

هنالك أدوار متميزة لبعض الدول العربية، والصورة السوداوية للموقف العربي تتخللها طبعاً بعض النقاط البيضاء هنا وهناك، فمثلاً لا يمكن أن ننسى قمة غزة التي أقيمت في الدوحة برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر، والتي كانت قمة تاريخية لأول مرة تحدث شرخاً في الموقف الذي يدعو للقبول بشروط الرباعية الدولية، وأصبحت هنالك مواقف معلنة واجتماعات خارج المظلة الصهيو- أميركية، تتقدم هذا الجناح الممانع دولة قطر وسوريا وليبيا وموريتانيا، وغيرها من الدول المهمة التي عبرت عن قدرتها على الفعل بدون أخذ الإذن من أميركا، وهذا العمل مقدر فعلاً، وإن استمر فسيؤدي لا محالة لتغيير الوضع في فلسطين، ولكنه بلا شك يحتاج لإجماع من بقية دول العالم العربي والإسلامي.

فإن كانت منظمات عمل إنساني قليلة العدد والإمكانيات استطاعت أن تحرج العدو الصهيوني، فما بالك بدول مجتمعة، تركيا وحدها أحرجت إسرائيل وحركت العالم الغربي، فما بالك بما سيحدث لو كان الحراك من قبل مجموعة بلدان لها الكثير من الإمكانيات والقدرات على فعل الكثير من الخطوات؟!.

أنا أعتقد أن سياسة بعض الدول في المنطقة -كدولة قطر- مهمة جداً، على الأقل أعلنت على الملأ أنها تقف إلى جانب قضايا الأمة، ورغم وجود العلاقات الجيدة مع الدول الغربية فإن هذا ليس على حساب ثوابتنا ودماء أبنائنا. وللأسف بعض الدول العربية والإسلامية قدمت تنازلات عن كل شيء ولم يعد يهمها أنين أبنائها وعويل نسائها.

- يرى بعض المراقبين أن الإعلام العربي -وخاصة قناة الجزيرة- أسهمت كثيراً في كشف الجرائم التي حدثت خلال مداهمة الجيش الإسرائيلي للأسطول، وأوصلت للعالم الصورة الحقيقية للوضع، ما تقول في هذا الرأي؟

نحن اليوم نشهد انجازاً حضارياً غير مسبوق، فالحكومات العربية ومنذ عشرات السنين تبدد الثروات دون الاستفادة منها بشكل ملموس، لكننا اليوم نرى استثمارات فعلاً تفيد الأمة، من أهمها الاستثمار في الإعلام الهادف الحر الذي سلط الضوء على ما تعانيه الأمة، والجزيرة اليوم خير مثال على هذا، فهذه القناة لم تحرر فقط العقل العربي، ولم تقدم الرأي الآخر، وتوصل الحقيقة المغيبة منذ عقود في دولنا ومنطقتنا للجميع، بل أكثر من ذلك أحرجت القنوات الكبرى في العالم، وإمبراطوريات الإعلام في الغرب التي أرغمت على مسايرة الجزيرة في نقل أحداث أسطول الحرية.

رأينا البي بي سي تتحدث عن العمل غير الإنساني الذي تعرض له الركاب ونشطاء السلام الغربيين، وتلفزيون فرانس 24 والفوكس، وغيرها من المحطات التي كانت تتجاهل الحديث عن كل ما يتعلق بإسرائيل، لكن الجزيرة أحرجتهم جميعاً، وفكت السيطرة التي كانت على الخبر العالمي، وصياغته وفق أهواء الدول العظمى، وأصبح المواطن العربي اليوم يستقبل أخباراً "غير مفلترة" من طرف الرقيب الغربي وأعوانه في المنطقة.

1 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي