يتم التشغيل بواسطة Blogger.

انفلونزا الثورة

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 4 التعليقات


اليوم لا حديث في المقاهي والمجالس إلا عن الثورات والتغيير، ووجوب قلب الأنظمة في المنطقة، وهدم الدكتاتوريات العربية، وشنق المستبدين في ميادين عامة، حتى أبو العز البواب الذي كان يفقد حواسه الخمس عندما يتابع مباراة لفريقه المفضل على التلفزيون، لم يعد من فرط تعلقه بنشرات الأخبار يعرف ترتيب فريقه في الدوري.
الرسائل النصية القصيرة و"تغريدات" تويتر والفيسبوك تحولت إلى شعارات شبيهة بتلك التي كان يرفعها دعاة القومية العربية ومحاربة الرجعية في السبعينيات، دعوات التحرر والانعتاق؛ وفك القيود؛ وكسر الأغلال؛ وتحطيم سلاسل الاضطهاد الحديدية التي أدمت سواعدنا وسواعد أبائنا؛ وربما أجدادنا في بعض الدول.

بين يوم وليلة انتقلنا من وصف الشعوب العربية بـ "القطعان" كما قال أحد ضيوف برنامج الاتجاه المعاكس – الذي صار ساحة لإلقاء الشتائم والعبارات البذيئة على رؤوس الأشهاد – إلى شعوب ثائرة لا تقف في وجهها أعتى أنظمة الاستبداد وأكثرها سطوة ومنعة. بين يوم وليلة أصبح الشباب العربي الذي كان يعاني من متلازمة الظهر المقوس والنعاس السرمدي، رمزاً للثورة والصمود، بعد أو وقف منتصب القامة بصدره العاري أمام فوهات المدافع والدبابات؛ التي لم تستطع ثنيه عن تحقيق حلم الحرية الذي كان حتى الأمس حلماً يعاقب عليه القانون.

حتى المحللون السياسيون، ممن كانوا ينظرون لمستقبل المنطقة، ويدَّعون معرفة ما ستؤول إليه مصائر أهلها خلال المئة سنة القادمة على أقل تقدير، لم نسمع من أي منهم - ولو افتراضاً أو من باب المزاح والنكتة - توقعه بأن زين العابدين بن علي ستتقطع به السبل في فضاء المنطقة باحثاً عن ملاذ، أو أن مبارك - الذي كاد ينافس تمثال أبي الهول في الرسوخ والبقاء على رمال الجيزة - سيرحل تحت جنح الظلام في مروحية عسكرية ركبها على عجل، بعد أن سدت غصة الثوار حلقوم نظامه.

ما نراه اليوم في المنطقة العربية من حراك ثوري غير مسبوق بأية علامات أو أشراط منذرة؛ يستوجب دراسة متأنية لفهم مسبباته ومنشأه، فهذا "الزلزال" الذي هدم عروشاً بنيت منذ عقود لتقاوم عاديات الزمن، يستحق تحليلاً علمياً يتطرق للأسباب التي قلبت بوصلة العقل العربي الخانع – كما كان يتصور العرب أنفسهم – إلى عقلية التغيير وإمكانية الفعل مهما كانت المعوقات.

يجب أن نبحث عن الفصيلة التي ينتمي لها فيروس أنفلونزا الثورة التي انتشرت بسرعة بين سكان المنطقة على حين غفلة من مؤسسات الحجر الفكري التي لم تجد متسعاً لاختراع مصلٍ مقاوم لهذا "الوباء"، ربما لأنها كانت متيقنة من أن شعوبنا ماتت مخبرياً، ولم تعد حتى الفيروسات ترغب في العيش بأجسادنا التي أدمتها سياط المذلة والهوان.

علينا أن نحافظ على هذا الفيروس الغالي، ونعيد إنتاجه بكميات تجارية كبيرة، ونلزم كل أسرة عربية تسكن بين مسقط ونواكشوط بحقن مواليدها بمستخلصه حتى نتأكد أن أجيالنا القادمة لن تمر بفترة الكمون التي عشناها مطأطئي الرؤوس طيلة عقود، ونحن لا ندري أن فيروس الخلاص لا تفصلنا عنه سوى "عطسة حرية".

4 التعليقات :

محمد عبد التواب يقول...

مقال رائع ومدونة جميلة جدا شكرا لك وبالتوفيق ...

وظائف خالية مصر يقول...

مدونة ممتازة ورائعة شكرا لك ...

محمد فوزي يقول...

تــحياتي لك
كل الود والتقدير
دمت برضى من الرحمن
لك خالص احترامي

أتمنــــى لك من القلب .. إبداعـــاً يصل بك إلى النجـــوم ..

عروض اتصالات وفودافون وموبينيل يقول...


بصراحة الواحد نادر قوى لما يلاقى مدونة او موقع يستفيد مهم بشكل كبير
اشكرك على اسلوبك وطريقتك فى الكتابة ، وكمان مدونتك ذوقها جميل جدا
وتتمتع بالسهولة والبساطة فى التصفح وبها مجموعة من المواضيع الرائعة والمفيدة

تصميم وتطوير منتديات سامي