يتم التشغيل بواسطة Blogger.

هـامـان مـصـر

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 1 التعليقات


تبعث ملامح وجهه المتجهم بالكثير من الإيحاءات المختلطة، وربما هذا ما جعله - رغم خبرته الطويلة في العمل الدبلوماسي والمخابراتي– لا يجيد إخفاء انزعاجه من كاميرات المصورين والأضواء الكثيرة، التي سلطت عليه بعد أن اختاره الرئيس مبارك نائباً له؛ حين كادت “ثورة الشباب” تقوض أركان “ملكه”، وفرضت على “سدنته” البحث عن مخلَّص يدير الدفة في الطوفان، ويجيد مغازلة الحلفاء في البيت الأبيض.


يوم أدى اللواء عمر سليمان اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري - كأول نائب له منذ توليه السلطة قبل ثلاثة عقود – لم ينس أن يحيه تحية عسكرية أمام الجميع، ربما أراد من خلالها التذكير بأنه ابن مؤسسة الجيش، وامتداد “طبيعي” لجيل الضباط الذين حكموا مصر منذ ستين عاماً.





أميركا وإسرائيل – اللتان تعرفان الرجل جيداً – كانتا في مقدمة المرحبين باختياره للمنصب، واهتمت كبريات الصحف العالمية والقنوات الفضائية بعرض سيرته، مركزة على تقديمه كبديل مناسب للرئيس مبارك، يضمن “التغيير في ظل الاستقرار”، ويحظى بثقة الغرب، الذي اختبر “أمانته وإخلاصه” في مواقف كثيرة.




رجل الظلام




تعود أصول عمر محمود سليمان لمنطقة قنا جنوبي مصر، وهو سليل النظام بامتياز، تجمع خبرته العسكرية بين فنون الاستخبارات الأميركية التي تعتبره أبنها البار، والسوفياتية التي تدرب في قواعدها في معظم قطاعات الجيش، متنقلاً من الهندسة العسكرية إلى سلاح المدفعية؛ وصولاً إلى الاستخبارات العامة، التي يتولى رئاستها منذ 18 عامًا، وبات لرئيسها منصب وزير فوق العادة في عهده.


شارك سليمان في أكبر 3 حروب خاضتها مصر، حرب اليمن عام 1962 وحربي 1967 و1973 ضدّ إسرائيل. إسرائيل التي تحوّلت إلى صديق وحليف استراتيجي مهم - وفق ما يقول سليمان في إحدى مقابلاته مع صحيفة معاريف - وربما هذا ما درسه في العلوم السياسية التي حصّلها من جامعة عين شمس.


نال شهرته الأكبر في الداخل من خلال حربه التي قضى فيها على «الجماعة الإسلامية» وحركة «الجهاد الإسلامي» المصريتين في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما جعله محل ثقة مبارك ومبعوثه الخاص والشخصي لدى عواصم المنطقة.


وعرفه العالم أكثر من خلال الملفات الكبيرة التي كان يتولاها، بدءاً من الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وانتهاءً بملف مياه النيل، مروراً بالتعاون مع المخابرات الأمريكية في الحرب على ما تسميه الإرهاب. صلته بالشؤون الداخلية بقيت محصورة بالملفات الأمنية الكبرى، ولم يعرف عنه ميله إلى الجمع بين السلطة الأمنية والاقتصادية كما فعل أقرانه في النظام، وربما لأنّه مسؤول عن شيء أكبر بكثير من الصفقات التجارية.


حضوره السياسي العلني الأول كان سنة 2002 عندما تصدرت الصفحة الأولى لجريدة «الأهرام» الحكومية صور وأخبار للرجل في المساحة المخصصة عادة لنشاطات الرئيس. كل ما يتعلق بدور مصر إقليمياً ودولياً مربوط به شخصياً؛ من فلسطين وإسرائيل إلى السودان وليبيا وواشنطن وإيران وسوريا ولبنان والعراق والسعودية. واشتهر بأنه لا يكنّ وداً للنظام الإيراني، حتى إنّ «ويكيليكس» كشفت حيزاً من اعترافات الرجل بأنه ألّف مجموعات جواسيس تعمل لمصلحته في إيران ولبنان والعراق لإبقاء نوعية التدخل الإيراني في الشؤون العربية تحت المراقبة.



رجل الـسي آي اي


تدرب عمر سليمان خلال ثمانينيات القرن الماضي بمعهد ومركز جون كينيدي الخاص للحروب في فورت براغ بنورث كارولينا، وبصفته مديرا للمخابرات، تبنى سليمان برنامج السي آي أي لتسليم معتقلي ما يسمى الإرهاب الذين كانوا ينقلون إلى مصر وبلدان أخرى حيث يستجوبون سرا دون إجراءات قانونية.


ويقول جاين ماير صاحب كتاب “الجانب المظلم” إن سليمان كان “رجل سي آي أي بمصر في هذا البرنامج”. ومباشرة بعد توليه رئاسة المخابرات، أشرف سليمان على اتفاق مع الولايات المتحدة عام 1995 يسمح بنقل المشتبه فيهم سرا إلى مصر للاستجواب، حسب كتاب “الطائرة الشبح” للصحفي ستيفن غراي.


وكشف تحقيق استقصائي نشر في ايطاليا أن عمر سليمان هو من لفق كذبة تعاون الرئيس العراقي صدام حسين مع تنظيم “القاعدة”، وهي التهمة التي حاولت إدارة بوش إقناع العالم من خلالها بقرار غزو واحتلال العراق. صحيفة “الكورييري ديلا سيرا” - التي نشرت التحقيق - كشفت كذلك أن سليمان هو الذي لفق تهمة انتماء الشيخ أبو عمر لـ تنظيم “القاعدة”، وتولى اختطافه من ايطاليا وتسليمه للأمريكان، الذين توصلوا لاحقاً إلى عدم صحة الاتهام.

ومن القصص التي تشير إلى مدى العلاقة بين عمر سليمان وأجهزة الاستخبارات الأميركية انه حينما قامت القوات الأميركية في أفغانستان بقتل شخص اعتقدت انه ايمن الظواهري، طلبت من عمر سليمان إن يقارن DNA للجثة وشقيق ايمن الظواهري في مصر ليتأكدوا من شخصية القتيل، فرد عليهم سليمان: ” إذا أردتم يمكن أن ابعث لكم إحدى يدي شقيق الظواهري وانتم تقومون بفحص DNA“.


 عرضت وكالة رويترز آراء عمر سليمان نائب الرئيس المصري في حركة الإخوان المسلمين كما وردت في بعض الوثائق السرية الأميركية التي سربت إلى موقع ويكيليكس الشهير بوصفه مديرا للمخابرات. جاء ذلك إثر أول لقاء يعقده مسؤول حكومي مع ممثلي الجماعة منذ حظرها رسميا عام 1954 وذلك في إطار الحوار بين الحكومة والمعارضة المصرية على هامش الاحتجاجات المطالبة بتنحية الرئيس حسني مبارك.

وطرحت الوكالة في مستهل تقريرها سؤالا عما إن كان بإمكان رجل (في إشارة إلى سليمان) سعى إلى شيطنة الحركة أن يكون وسيطا نزيها معها لحل أزمة البلاد الراهنة؟.
وقبل أن تعرض مضمون أقوال سليمان عن الإخوان طلبت رويترز تعليقا على ما جاء في البرقيات من المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي الذي رفض التعليق على أية برقية “مصنفة على أنها سرية”. ويؤكد سليمان -حسب برقية أرسلها السفير فرانسيس ريكياردون في 15 فبراير عام 2006- أن الإخوان “فرخوا 11 منظمة إسلامية متطرفة بينها تنظيما الجهاد والجماعة الإسلامية”.


سليمان وإسرائيل



تقول الدكتورة ميرا تسوريف، المحاضرة في مركز ” ديان ” بجامعة تل أبيب إن تولي عمر سليمان مقاليد الأمور بعد مبارك يمثل بالنسبة لإسرائيل ” استمرارية مباركة “، مشيرة إلى أن طريقة حكم مصر عندها لن تتغير، بل ستصبح أكثر لينا ومرونة. وفي تحقيق موسع كتبه يوسي ميلمان معلق الشؤون الاستخباراتية في صحيفة ” هآرتس ” الإسرائيلية بعنوان ” عمر سليمان……الجنرال الذي لم يذرف دمعة خلال حملة الرصاص المصبوب “،كشف الكاتب عن علاقة الود التي تجمع اللواء سليمان بالعشرات من كبار العاملين في الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، بالإضافة إلى كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، وموظفين كبار في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى رؤساء حكومات ووزراء. ويضيف أنه منذ أن تولى سليمان مهام منصبه كرئيس لجهاز المخابرات عام 1993، أقام اتصالات دائمة مع معظم قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، وضمنها: الموساد، والمخابرات الداخلية ” الشاباك “، وشعبة الاستخبارات العسكرية ” أمان “.

وينقل ميلمان عن رئيس الموساد الأسبق شبطاي شفيت إن لقاءاته مع سليمان كانت أحياناً تتطرق لقضايا شخصية، حيث كان يتحدث له عن عائلته وأولاده الثلاثة وأحفاده.

ويؤكد ميلمان أن سليمان يعتبر أحد الأشخاص الذين أسهموا في التوصل لصفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل، وهي الصفقة التي يعترض عليها ويرفضها المصريون، لأن مصر التزمت فيها ببيع الغاز بأسعار رمزية مقارنة مع سعر الغاز في السوق العالمي. ويضيف ميلمان أن رئيس الموساد الأسبق شفتاي شفيت الصديق الشخصي لسليمان استغل علاقته به وطلب منه تسهيل التوصل لصفقة بين الحكومة المصرية وشركة إسرائيلية يملك شفيت نسبة كبيرة من أسهمها. ويقول ميلمان إنه بالاستناد إلى معرفة الإسرائيليين بسليمان، فإنه يمكن القول أن سليمان لم يذرف دمعة واحدة على مئات الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة أواخر عام 2008.



اللواء الوزير .. الرئيس



عندما نجا الرئيس المصري حسني مبارك من محاولة الاغتيال الشهيرة التي تعرّض لها عام 1995، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، كان اللواء عمر سليمان بجانبه في السيارة المضادّة للرصاص. واليوم حينما خرج الشعب المصري في أكبر ثورة تشهدها البلاد، مطالباً بإسقاط نظامه، وجد مبارك أن أقرب الرفاق إليه، وأكثرهم ثقة في تولي منصب الرئاسة من بعده ليس إلا اللواء عمر سليمان.

قد لايكون التوقيت مثالياً بالنسبة إلى اللواء الوزير الذي لم يحقّق حلم حياته بالجلوس على “عرش مصر”، إلا أنه بكل تأكيد بدأ منذ تعيينه نائباً للرئيس، يتحرك في كل الاتجاهات لتهدئة الأمور، مستعيناً تارة بعلاقاته المتينة مع الغرب، وبالملفات الأمنية الكثيرة التي بين يديه تارة أخرى، دون أن يغفل فتح باب الحوار – ولو شكلياً – مع أعداء الأمس.

1 التعليقات :

محمد عبد التواب يقول...

مدونة ممتازة ورائعة شكرا لك وبالتوفيق ...

تصميم وتطوير منتديات سامي