يتم التشغيل بواسطة Blogger.

باي باي لندن

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات


اعتدت كلما استوقفتني إحدى الإشارات الحمر في شوارع مدينتي المزدحمة أن أدير مذياع السيارة على إحدى المحطات الإذاعية التي تبث على الأف أم للاستماع لأهم الأنباء، ليس لأنني أجهل ما يدور في العالم من أحداث - فالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية للأخبار "موفية ومكفية"- لكن لإرضاء عشقٍ قديم في نفسي لصوت المذيع وهو يقرأ مقدمة النشرة ويستعرض أهم أخبارها من جهة، ومن أخرى للتخفيف من مستوى هرمون الأدرينالين في دمي الذي يرتفع مع ارتفاع صوت السيمفونية رديئة التأليف التي تعزفها منبهات السيارات من خلفي.



تعلقي بالإذاعة بدأ معي منذ الصغر حين كان والدي يُسكت كل من في البيت بمجرد أن يدق بندول البيغ بن معلناً تمام الساعة في إذاعة لندن العريقة، ليتحول المكان إلى مملكة خاصة بالمذيع الذي يقرأ نشرة الأخبار – التي كانت نشرة بالفعل حيث تمتد لساعة وتزيد- ليسرح كيف شاء بصوته الجهوري في أذاننا مختارين تارة ومرغمين غالباً.


تطور الأمر معي ليصبح حالة وجدانية تربطني بأصوات مذيعي "لندن" وحناجرهم الجهورية الخشنة التي كانت تضفي على الحدث أهمية وقيمة خبرية حتى لو كان الخبر يتعلق بموضوع ترفيهي خفيف في الأصل كغرق وزة في بحيرة الهايد بارك!!. كما أن برامجها التثقيفية والتعليمية كانت علامة بارزة في مسطرة برامج "لندن" وما أزال مثلاً أذكر كم تأخرت عن المدرسة لأستمع لبرنامج ندوة المستمعين الشهير.


في السنوات الأخيرة انقلبت الإذاعة العريقة رأساً على عقب ولم يبقى على حاله منها – حسب رأيي- سوى دقات بيغ بين أو الترددات التي اعتادت البث عليها، فالبرامج الثقافية وجولات الأنباء المفصلة انحسرت أمام البرامج المباشرة التي تعتمد استقبال الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية من المستمعين لإثراء مواضيع النقاش التافهة غالباً التي تطرح لمدة ساعتين وأكثر لا لشيء سوى " طق الحنك" لملء ساعات البث المتواصلة على مدار الساعة، والأدهى أن هذه البرامج تعاد مرات عدة خلال اليوم مما يفقدها ميزة البث المباشر.


قد يقول البعض أن التطوير مطلوب في المؤسسات الإعلامية – وبشكل خاص المحطات الإذاعية – لمواجهة المنافسة الشرسة التي تفرضها المحطات الفضائية، كما أن هامش حرية التعبير الذي اتسع كثيراً في العقد الأخير في منطقتنا العربية سحب البساط ولو قليلاً من تحت الإذاعات الموجهة للمنطقة من الخارج، إلا أن الطريقة التي إتبعها القيمون على إذاعة لندن للتعامل مع هذه التحديات لم تكن حكيمة برأيي.


بالأمس ضحكت كثيراً بينما كانت إحدى المذيعات في "لندن" تقرأ خبر نجاح مركز أبحاث وراثية في دبي في استنساخ ناقة، حين قالت : نجح مركز وراثي في إمارة دبي في إنتاج "جمل صغير أنثى"!!، هذه الجملة الركيكة التركيب معنى ولفظاً دفعتني للتحسر على أيام مذيعي لندن ممن عهدناهم متمكنين من اللغة ومخارج الحروف، وما بأيدينا سوى أن نكرر مقولة القصيبي : باي باي لندن .

0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي