يتم التشغيل بواسطة Blogger.

من أحرق نصرة ؟

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات


جبلت النفس البشرية على فسيفساء من الطباع والغرائز، التي أستودعها الخالق في أسمى كائناته لتكون القاعدة التي يتعامل بها الفرد مع محيطه الإنساني، ولتحدد هذه العواطف المتباينة مختلف التصرفات وردود الأفعال على الحالات والحوادث التي ستصادف الإنسان خلال مسيرة حياته.
الحب والحنان والغيرة والحزن وحتى الحسد – بمنظوره اللفظي – وغيرها، كلها حالات إنسانية تَفقد النفس البشرية جزءاً مهماً من طبيعتها بفقدان إحداها فقداً جزئياً أو كلياً، كما أن المرء يتطرف ويشذ عن المنظومة البشرية كلما زاد أو نقص معدل عنصر من هذه العناصر بين جوانحه، فتوصف النفس بالوله إن زادت عاطفة الحب عن المعتاد وأعمت بصيرتها ضبابية العشق، وبالنقمة والكراهية إن تحول "الحسد" الذي يدفع بالشخص إلى المثابرة والتقدم لمرض يتمنى حامله الشر لمن سبقه في ميادين التنافس.

وتبعاً لهذا “التطرف العاطفي” يفقد الإنسان منا سيطرته على ردود أفعاله وترتبك انفعالاته ولا تعرف حينئذ عواقب تصرفاته، ليتحول من كائن سما بعقله ورزانته عن بقية الكائنات، ليغدو كغيره من الهوام التي تساق بالعصي إلى حوض الماء.والتفاوت بالتالي بين بني آدم يتبع لمدى سيطرتهم على الغرائز التي جمعتها النفس البشرية، هذه السيطرة التي تنميها المعتقدات الدينية وتسيرها العادات والتربية المجتمعية، كما تصقلها التجارب والخبرات التي يكتسبها المرء من خلال معايشته للآخرين من بني جلدته.
ما حدث في الكويت مؤخراً مثال على ما يمكن أن تفعل العواطف المنفلتة الزمام بصاحبها، وكيف تودي به إلى مدارك الحيوانية والتوحش بعد أن تعمي غشاوة الأنا وحب الذات بصيرة إنسان لا يختلف في شيء - ظاهرياً على الأقل - عن أي إنسان آخر.فالنار التي تأججت في نفس “نصرة ” الفتاة الصغيرة التي لم تتخط العشرينيات من عمرها، حولتها من امرأة تحكمها الأنوثة والرقة وقيود الشرع والعادات إلى لبوة جريحة تفترس كل من صُّور لها أنه يحاول المساس بعرينها.

أنا متيقن بأن من سكبت البنزين على خيمة العرس ثم أضرمت النيران فيها لم تكن نصرة، ومن كانت ترقب بسعادة صراخ النساء وعويل الأطفال حين كانت النيران تلتهمهم في مشهد “نيروني” بشع ليست الفتاة المرهفة الأحاسيس التي أكد طليقها – الذي ما زالت على ذمته وحبلى بجنين منه ! – بأنها دمثة الأخلاق وديعة التعامل.

نصرة احترقت، تماماً كما أحترق الضحايا الثمانية والأربعون الذين ألتهمتهم ألسنة حريق أشعلته نار الغيرة قبل أن تشعله عيدان الثقاب، والفرق الوحيد الذي يميزها عن بقية الجثث المتفحمة أنها ضحية تسير على أديم الأرض، ضحية لمجرم بريء هو في الواقع من سكب بنزين النرجسية واللامبالاة بمشاعر الآخرين وأشعل قلب إنسانة ضعيفة وحنونة – بشهادة كل من يعرفها - تحولت بقدرة قادر من أم عطوف تخشى على أبناءها الثلاثة من “نسمة الهوا” إلى قاتلة مع سبق الإصرار والترصد.

قصة نصرة بتفاصيلها المؤلمة أثارت تساؤلات كثيرة في داخلي عن عدالة إدانة من نفذ جرماً ما بدافع غير إجرامي، وكيف نقتص من ضحية ساقها طغيان غريزة بشرية إلى فعلِ لا تدرك عواقبه؟ ألا يخاطب المشرع من هذه أفعاله تماماً كما المجنون الذي فقد عقال تصرفاته؟ أليس حرياً بمن يطالب اليوم بشنق الضحية أن يسأل عمن أشعل النيران أولاً؟ أم أننا كمجتمع بشري متحضر نتعامل فقط مع النتيجة ونترك المسببات؟.

0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي