يتم التشغيل بواسطة Blogger.

مشاهدات مراقب منحاز

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات


 

ثارت ثائرة مرشحي الرئاسة الخاسرين في الانتخابات الموريتانية الأخيرة بعد إعلان فوز الجنرال ولد عبد العزيز بما يفوق نصاب الأغلبية المطلقة من أصوات المقترعين، وبالتالي حسم السباق من الجولة الأولى خلافاً لتوقعات المحللين ومنظري الشأن السياسي المحلي التي كانت تؤكد اللجوء لدور ثانٍ.

نعت ولد داداه وولد بلخير قطبا المعارضة التقليدية النتائج بالمزورة وأتهم العقيد ولد فال أنصار الجنرال الفائز بإفساد عملية الاقتراع وإتباع أساليب حديثة وغير مسبوقة في تزوير بطاقات التصويت المطبوعة في لندن وفق معايير دولية.

الغريب في الأمر أن بوادر الاعتراض والطعون في صحة الانتخابات لم تصدر إلا بعد إغلاق مكاتب التصويت وبدء عمليات الفرز، والأغرب من هذا إجماع فرق الرقابة الدولية المستقلة على شفافية عملية الاقتراع ونزاهتها!.



ساقتني الأقدار لمرافقة وفد المراقبين العرب الوحيد الذي شارك في رقابة الانتخابات الرئاسية الموريتانية الأخيرة، ومع أن مرافقتي للوفد كانت للتغطية الصحفية ونقل أنشطة المراقبين التابعين للمؤسسة العربية للديمقراطية، إلا أن القائمين على الرحلة قرروا إشراك الوفد الإعلامي في الرقابة إلى جانب خبراء متمرسين قدموا من 12 بلداً عربياً لتغطية أكبر قدر ممكن من المدن الموريتانية.

 

أُرسلت ضمن البعثة المكلفة برقابة عملية الاقتراع في مدينة روصو على الضفة الشمالية لنهر السينيغال بأقصى جنوب البلاد، كان محمود رفيقي المصري متوجساً من ظلام المدينة الدامس، وزادت خوفه توصيات اللجنة المركزية للبعثة العربية التي حذرتنا من خطورة التعرض للدغات البعوض المنتشر في المنطقة الموبوءة أصلاً بالملاريا، كان شعوري معاكساً تماماً فالمنطقة معروفة لدي، وزرت المدينة عدة مرات، الشعور الوحيد الذي كان يجمعني برفيقي هو استعجال ضوء الصبح وانقشاع الليل لكي نبدأ مهمتنا الرقابية في أكثر من 50 مكتب اقتراع تفصل بين بعضها مئات الكيلومترات.


في صبيحة الثامن عشر من يوليو كانت الطوابير طويلة أمام مكاتب التصويت، نساء ورجال شباب ومسنون توافدوا إلى اللجان مع بزوغ الفجر للإدلاء بأصواتهم في انتخابات يتنافس فيها 9 مرشحين، كان محمود المصري طوال اليوم منبهراً بمستوى الانضباط والإقبال الكبير على المكاتب، إلا أن الشفافية والنزاهة التي طبعت العملية الانتخابية بهرتني أكثر.



كنا نستجدي الملاحظات على سير العملية من مندوبي المرشحين المتواجدين في مكاتب التصويت، ونسألهم على إنفراد عما إذا كانت هناك أي أمارات لتزوير أو انتهاك لشروط النزاهة والحياد، كنا نحمل لائحة تضم أكثر من 30 خرقاً متوقعاً زودتنا بها اللجنة المركزية للرقابة للتأشير عليها، إلا أن الخروق الطفيف
ة التي صادفناها لماماً لم تكن مصنفة أصلاً في اللائحة كونها لا تتعدى ورود اسم ناخب في مكتب مغاير لمكان تسجيله، أو وضع صندوق الاقتراع في جانب الغرفة، أو رفض بعض المقترعين لغمس إصبعه السبابة في الحبر وإصراره على وضع إبهامه الأيسر بدلاً منه..!


ظل محمود يتحسر على حال الانتخابات في مصر كلما زرنا مكتباً من المكاتب، ويقول " دا أحنا في مصر اللجنة ممنوع يدخلها مراقب أصلاً، ومستحيل يعدي يوم الانتخاب من غير ما يموت واحد وألا أثنين!! د أنتو في أمريكا مش موريتانيا يا أخي !!".

 

أثناء تواجدنا في عملية الفرز بأحد المكاتب كان الجو السائد يوحي بأننا أمام عملية عد لناجحين في اقتراع مدرسي، فلا مشاحنات ولا اعتراض وكل المناديب متفقون
ومتفهمون، ورئيس المكتب يدقق بإمعان أمام الجميع في كل ورقة اقتراع على حدة، وإن شك في إحداها اعتبرت بطاقة لاغية فوراً، وبعد إحصاء النتائج أعدت محاضر ختامية وقعها كل مندوب بالإضافة لممثل اللجنة المستقلة لتسيير الانتخابات.



كوني موريتانياً عايش حال التأزم الخطير الذي شهدته البلاد منذ انقلاب السادس من أغسطس 2008 - حين استولى الجنرال ورفاقه على السلطة مبعدين رئيساً منتخباً لم يدم حكمه أكثر من عام وعدة أشهر - كنت أرقب العملية بمنظار الباحث عن الخلل المتحسس المرتاب الذي يتحين بروز بادرة تزوير أو إخلال متوقع بشروط الشفافية ليعلن بأن العملية برمتها مفبركة وغير نزيهة، إلا أن ظنوني خذلت وكَذّب اقتراع السبت حدسي الصدوق.


فوز الجنرال عزيز في انتخابات الرئاسة قاطع ولا مجال لتفنيده بدلائل ملموسة، والنتيجة وإن كانت مستغربة وغير متوافقة مع أهواء حماة التعددية ومعارضي الانقلابات وحكم العسكر، إلا أنها واقع يجب أن يتعايشوا معه، وحري بهم البحث لمعرفة الأسباب التي دفعت بأكثر من 52% من المقترعين للتصويت لجنرال شاب كان إلى وقت قريب مجهولاً لأغلب الموريتانيين ولم يمارس السياسة والعمل الحزبي النضالي قط.

 

من المؤكد بأن خطاب ولد عبد العزيز التعبوي - الذي رددته حملته الإنتخابية التي أمتدت لشهرين أو أكثر - ووعوده بإسكات عواء أمعاء الجياع الخاوية وتعهده بخلق فرص عمل لألاف الشباب العاطلين، إضافة لقطعه العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل، كل هذا سحب البساط من تحت أقدام المعارضة الموريتانية اليائسة، ولقي أذاناً صاغية لدى فقراء موريتانيا ومعدميها ..وهم لعمري أغلبية مطلقة.


0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي