يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الحب في زمن الأنفلونزا

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 1 التعليقات



لا تنزع الكمامة عن انفك وفمك وأبتعد متراً على الأقل عن أي شخص لا تعرفه، ولا تصافحه، وإن لاحظت أي ارتفاع في درجة حرارتك أو صداعاً بسيطاً فلا تذهب إلى العمل ولا تخرج من البيت وأتصل بالإسعاف!!.
وحذارِ من لمس عربات التسوق في السوبرماركت ومقبض باب البيت بيديك العاريتين، وإياك أن تبقى في السيارة دون فتح النوافذ لأن زميلك الذي يجلس بجانبك قد يكون مصاباً ولم تظهر عليه الأعراض بعد، وإن عطست زوجتك ثلاث مرات متتالية بجوارك على السرير فأهرع إلى الحمام وأستحم بمحلول “ديتول” المركز، ونم بقية الليل في الصالة وإياك ثم إياك أن تقترب من ” أم العيال” 
قبل أن تفحصها في المستشفى مهما كانت الضغوط و”المغريات”، ولا تقبل أن تسافر إلى أي مكان في العالم بواسطة الطائرة مهما كانت الرحلة مهمة ومصيرية فحياتك أهم.


هذه هي تعليمات الوقاية من انتشار وباء أنفلونزا الخنازير والتي وزع بعضها في شكل مطويات على قاطني بعض البلدان التي أنتشر فيها فيروس H1N1، بل إن تصريحات وزير الصحة الأردني كانت أكثر تفصيلاً حين طلب من الناس التوقف عن العادات الاجتماعية السائدة، وكرم الضيافة العربي المتأصل في القبائل الأردنية محذراً من التقبيل والأحضان وتوزيع فناجين القهوة العربية وأكل “المنسف” قي صحن واحد.


الغريب في الأمر أن هذه الضجة الكبيرة - التي تثيرها وسائل الإعلام والمنظمات الدولية المعنية بالصحة لمجرد ظهور مرض جديد أو تحور فيروس ما إلى نوع أكثر تقدماً - عادة ما تخفت شيئاً فشيئاً بعد حين ودون مبررات كافية كإعلان السيطرة على الفيروس أو انتفاء المخاطر التي كان يمثلها على البشرية، فمرض جنون البقر مثلاً شغل العالم واربك الناس قبل سنوات وأصاب بالهلع المعمورة من أقصاها إلى أقصاها خوفاً من هذا الوباء الذي وصفه احدهم في ذلك الحين بمرض القيامة، وتحولت أعداد كبيرة من الأوربيين إلى كائنات تقتات على الأعشاب والنباتات نابذين كل المواد الغذائية التي تمت للبقر بصلة. وذات الأمر مع مرض السارس والايبولا وأنفلونزا الطيور والحمى البيروفية وغيرها من الأوبئة التي تظهر بقوة في مواسم معينة وتختفي بفضل الله.

ومن نافلة القول أن الأمراض المعدية ليست أمراً جديداً، والبشرية عرفت الكثير منها منذ الأزل، فالطاعون والجدري والجَرَب كلها أمراض فتكت بالكثير من الناس خلال القرون الماضية، إلا أن كتب التاريخ - رغم ما حوته من مبالغات وأساطير - لم تحمل إلينا قصصاً عن نبذ المصابين أو حجرهم في أماكن خاصة والنفور منهم، ناهيك عن الاحتراز من الضيوف وعدم مصافحتهم وتقبيلهم ومشاركتهم في الأكل والقِرى.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نهى فيه عن السفر إلى البلاد الموبوءة أو الخروج منها بعد انتشاره لم ينهى عن التعامل مع المصابين بهذه الأمراض ولم يأمر بنفيهم أو النفور من معاشرتهم، يقول صاحب كتاب زاد المعاد : ” في النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر، والحمية والنهي عن التعرض لأسباب التلف، وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل والتسليم والتفويض، فالأول تأديب وتعليم، والثاني تفويض، وتسليم”.

أتمنى في الاخير أن لا يفهم هذا الطرح على أنه دعوة لنبذ أسباب الوقاية والمخالطة العمياء للمرضى الذين ثبتت حالاتهم وتأكدت خطورة التعايش المباشر معهم، بل ما رمت الوصول إليه هو أن لا تتملكنا هواجس الخوف من اللاشيء وتسيطر علينا غريزة حب الحياة بشكل يعمي بصائرنا ويحولنا إلى كائنات أنانية تبحث فقط عن ما يديم عافيتها ويطيل عمرها الإفتراضي، متناسين أن الحياة بدون التعايش مع الأخرين والتمازج معهم في بوتقة من المشاعر والتواصل الإنساني هي موت بصحة جيدة.


كما أن المرض والموت هما عنصران أساسيان من فسيفساء النفس البشرية، تماماً كبقية العناصر الأخرى كالحب والحياة والصحة والنجاح والفشل، وبفقدان أحد هذه العناصر تفقد النفس البشرية عنصراً مهماً من مكوناتها.




 

1 التعليقات :

محمد يقول...

لم يعد يوجد حب فى زمن منتشر فية الامراض من خيانة وخداع ومكر ..

تصميم وتطوير منتديات سامي