يتم التشغيل بواسطة Blogger.

باقون .. وإن رحلوا

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات

لم تكد شنقيط تستفيق من أحزانها عقب وفاة الشيخ محمد سالم ولد عدود الأسبوع الماضي - والذي كان هامة علمية سامقة في البلاد وترك رحيله فراغاً فكرياً ودينياً كبيراً في الساحة المحلية – حتى فجعت يوم أمس بنبأ رحيل المفتي الأول وشيخ الأئمة العلامة بداه البوصيري عن يعمر يناهز التسعين عاماً بعد معاناته مع مرض عضال ألم به منذ عام 2003. وتبوأ الشيخ البوصيري – الذي شيعت حشود غفيرة من الموريتانيين جثمانه يوم أمس – أعلى المناصب الدينية في موريتانيا منذ استقلالها، وذاع صيت دروسه وخطبه التي تتناول الشأن العام وتعالج هموم الناس وحياتهم اليومية بكل جرأة وصراحة، واشتهر الفقيد بمواقفه القوية في وجه القرارات التي تمس الثوابت الشرعية التي أتخذها الحكام المتعاقبون على سلطة البلاد منذ استقلالها عن فرنسا 1960..


ومن بين أشهر المواقف التي يذكرها التاريخ للشيخ البوصيري قيادته لاحتجاجات شعبية معارضة لمشروع دستور علماني كانت الحكومة تنوي تطبيقه في ثمانينيات القرن الماضي إبان موجة المد الاشتراكي التي اجتاحت العالم في تلك الفترة، وأحبط الشيخ ومن معه المشروع، مُرغماً السلطة على التراجع عن قرارها.




وفي عام 1999 أصدر البوصيري - الذي أشرف على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في البلاد إبان حكم ولد هيداله -فتوى بتحريم التعامل مع إسرائيل معارضة للعلاقات الدبلوماسية التي أبرمها حينئذٍ الرئيس ولد الطائع، وهو ما يراه بعض المحللين سبباً في تنحيته عن الإفتاء وإمامة الجامع الكبير وقتئذ.



ألف الفقيد الكثير من الكتب في كل المجالات الفقهية والشرعية، كما تخرج من مدرسته التي أسسها في العاصمة نواكشوط قبل الاستقلال أغلب أئمة وشيوخ البلاد، وعرف عن الشيخ البوصيري زهده في المناصب والمزايا التي مافتئت السلطات المتعاقبة تغريه بها، ولم يقبل أن يتقلد أي منصب وزاري أو حكومي رفيع، وظل حتى أقعده المرض يفترش حصيره القاسي ويلبس دراعته البيضاء المتواضعة متوسطاً حلقة من طلبة العلم في مسجده بشمال العاصمة.



وكان الإمام بداه مرجعاً يعود إليه مريدوا الطرق الصوفية وإعضاء الحركات الإسلامية على إختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الدينية والإيديولوجية، وكانت فتاواه الدينية وآراءه الفقهية والسياسية محل احترام وتقدير من الجميع.



بالأمس علت وجوه القوم ممن غصت بهم جنبات جامع نواكشوط العتيق – الذي كان الشيخ البوصيري أول من أم المصلين فيه – سحنة حزن وألم على فقد علمين بارزين من أعلام الأمة الإسلامية في أقل من أسبوع، وغاب بغيابهما سراجان كانت تستنير بهما موريتانيا - التي لم تقف حكومتها الحالية دقيقة صمت واحدة حداداً عليهما - في طريقها الذي يزداد عتمة عاماً بعد عام.


0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي