
ينصب اهتمام المتتبعين للقمم العربية عادة على ما يدور في الجلسات الرسمية وتصريحات الزعماء أو من ينوب عنهم من وزراء ومسئولين، ويركز الإعلام الرسمي على الخطب الرنانة التي يتلوها هؤلاء – مع كثير لحن وتأتأة - وما يرد فيها من شكر وتقدير للدولة المضيفة ووعد باتخاذ إجراءات وتدابير مناسبة لتحرير الأراضي العربية المحتلة وتشغيل الشباب وتزويج العوانس، وتتكرر الأغاني – قصدي الخُطب - على لسان الرؤساء الحاضرين بنفس العبارات والمواضيع مع تحوير بسيط، فقد يقدم هذا موضوعاً أخره ذاك ونحوه، إلا أن المحصلة النهائية – إن وجدت – تبقى واحدة، دعم وتنديد وتأييد وشجب ووعود... لينتهي "المولد" بقبل وأحضان وصورة جماعية!!.

إلا أن ما يدور في كواليس هذه القمم و"شوارعها الخلفية" لا يراه المشاهد على شاشة التلفزيون ولا يتابعه من خلال الصحف والمواقع الإخبارية، مئات الصحفيين والمذيعين والمصورين والمتملقين والفضوليين تعج بهم ممرات الفندق وقاعاته يخوضون غمار حرب تنافسية بكل ما في كلمة "حرب" من معاني، فالكل متوجس ومتأهب يحمل سلاحه، الذي يتراوح بين القلم والورقة وصولاً إلى كاميرا الفيديو وأجهزة البث الفضائية. لا هم له سوى نيل قصب السبق الصحفي والحصول على المعلومة قبل الآخرين حتى وإن كانت شائعة مكذوبة.
الطريف في هذه المعركة أنها تتجلي بشكل أوضح بين رفاق المهنة الواحدة ومشتركي التخصص، فالمذيع التلفزيوني للقناة الفلانية "يتقاتل" مع زميله المذيع من القناة المنافسة ويرقبه طوال الوقت بنظرات الريبة والتأهب بينما لا يعير بالغ اهتمام لصحفيي وكتاب الجرائد الورقية، معتبراً إياهم خارج نطاق منافسته، والعكس بالعكس، فكتاب الصحف والمراسلون في سباق محموم لاستجداء المعلومات من المسئولين وأعضاء الوفود الرسمية، وما إن يخرج أحدهم خلسة لقضاء حاجة – أعزكم الله – حتى تتلقفه المسجلات والميكرفونات ويصاب بالعمى المؤقت بسبب الفلاشات الضوئية التي تسلطها كاميرات المصورين عليه، وتتهاطل الأسئلة من كل صوب، وفي أغلب الأحوال تنتهي هذه الجعجعة دون طحين، أو بأجوبة دبلوماسية مبهمة لا يستشف منها حق ولا باطل.
وكلما احتدم "الوطيس" ابتكرت وسائل أخرى للمنافسة، فيعتمد البعض من الصحفيين المخضرمين ورؤساء التحرير الحاضرين لتغطية القمة على رصيدهم من العلاقات الشخصية " مع الناس أللي فوق"، ويرون دائماً منتبذين ركناً قصياً رفقة أجهزتهم النقالة لرصد ما يدور خلف الأبواب الموصدة وما يرشح من الجلسات السرية، وما إن ترد إلى أحدهم معلومة أو خبر إلا ويستدعي "حاشيته" من الصحفيين معلناً النفير، لينهمك الجمع في صياغة مقال أو رسالة إلكترونية قبل أن تتلقف الخبر مسامع "الأعداء".
وتختلط الأسرار بالوقائع والشائعات بالأخبار المؤكدة، ويتحول الكل إلى محللين سياسيين وخبراء اقتصاد وشئون دولية، بل وحتى منجمين وعرافي طوالع وأبراج، فهذا يقول بأن محور "الممانعة" يسعى إلى سحب المبادرة أو عدم التطرق لها، ومحور "الاعتدال" يريد بقاء المبادرة وإضافة بنود جديدة إليها، وما بينهما محور لا ممانع ولا مؤيد وليس في ذات الوقت محايداً أصر على أن تبقى المبادرة لكن مع ربطها بجملة "لن تبقى طويلا"، أو بإلزام المحتل بتاريخ محدد ستسحب بعده المبادرة العربية - وكأنه سيرتجف خوفاً من هذا التهديد - أي بمعنى التلويح بوجود سقف زمني.
أحدهم قال لي : حضرت عدة قمم ، وكلها تتشابه. فحين تسمع المساجلات الكلامية في الجلسة المغلقة، تعرف أن المواطن العربي البسيط لا يلام في عدم ثقته بأي قمة عربية. كونه الغائب الوحيد عن هذه القمم ، من قمة انشاص في أربعينات القرن الماضي حتى يومنا هذا في قمة الدوحة. إلا أن ما يدور من حروب ومشاحنات في الكواليس – يقول محدثي - يضفي متعة على هذه الاجتماعات "كثيرة الكلام قليلة الأفعال".