يتم التشغيل بواسطة Blogger.

إبراهيم وفاطمة.. قصة أخرى لم ترو بعد

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات

مخطئ من يعتقد أن عقبات الزواج في مجتمعاتنا العربية، وعزوف الشباب عن الارتباط الأسري وزيادة نسب العنوسة بين فتياتنا. تعود فقط إلى أسباب مادية كقصور إمكانات الشاب وعدم قدرته على تأمين مصاريف الحياة الزوجية وتغطية تكاليف تأسيس بيت جديد أو لانتشار البطالة ومضاعفات الأزمات الاقتصادية والظروف الصعبة التي نعاني منها، أو أن البحث عن الشريك المناسب الذي يتقاسم مع شريكه ذات الاهتمامات وينسجم مع تطلعاته وميوله هو العامل الرئيس وأكسير نجاح أي رباط بين أثنين رغبا معاً في حياة مشتركة.
هذه العوامل التي لا يختلف اثنان على أهميتها تتداخل معها في عالمنا العربي عقبات اجتماعية أخرى لا يمكن إغفالها، ورغم أنها عقبات مبنية في الأساس على أعراف جاهلية وموروثات قبلية بائدة، إلا أنها باتت اليوم في بعض الأوساط العربية تتقدم على غيرها من العقبات. البعض من مَن نشأ في مجتمعات وصلت إلى حدود معينة من التقدم الحضاري والتراكم الثقافي الذي أزاح فتات المخلفات الفكرية المبنية على الأساطير والقصص الخرافية سيستغرب وجود مثل هذا النوع من القصص في القرن الواحد والعشرين، ولن يصدق أن أغلب المجتمعات العربية – إن لم أقل كلها – ما زال يعتمد التمايز الطبقي والتدرجات العرقية وأمجاد القبيلة ومكانتها في السلم العنصري، مقياساً مقدساً تحدد من خلاله – بغض النظر عن كل المؤهلات والسمات الإنسانية الأخرى- قيمة الفرد و"كفاءته" ليقلد لقب زوج أو زوجة.




التهمة : زوج " مش قد المقام"!!



إبراهيم ولد محمد سجين منذ أربعة أشهر في سجن نواكشوط المركزي، سجين يختلف في تهمته عن بقية النزلاء، فلا هو ارتكب جرماً جنائياً بحق أحد ولا تعدى على حقوق أو ممتلكات غيره، كما أنه لم يختلس المال العام أو تورط في نهب أقوات الفقراء – رغم أنها ليست بورطة في موريتانيا الشفافية!!- لكنه مع ذلك ليس بريئاً، بل متهماً بما هو أشنع من كل الجرائم السابقة وفق المنظور القبلي السائد.
فقد حاول المسكين أن يتخطى أعراف مجتمعه وصدّق كذبة تقول: أن الحب الصادق لا يعرف الحواجز، وتناسى في أوج نشوته البريئة أن القبيلة وأعرافها خطوط من نار تحرق بلهيبها من تسول له نفسه الأمارة أن يروم تجاوزها.بدأت قصة إبراهيم وفاطمة منذ خمس سنوات حين التقى الشاب الناجح الذي حقق في فترة وجيزة كل أحلامه المهنية، بالفتاة الطموحة التي تسعى إلى أن تؤسس لبيت صغير يجمعها بمن تحب تحت سقف واحد. توافق الاثنان في كل شيء وخيل إليهما أنهما شطرا تفاحة ساقهما القدر ليلتئما ثانية، فكل الظروف مواتية والعقبات الحياتية التي يعاني منها الكثير من أقرانهما غير مطروحة في حالتهما. فإبراهيم شاب مثابر في عمله ويمتلك كل المؤهلات الضرورية لتأمين مصاريف تأسيس بيت الزوجية، كما أنه وجد في فاطمة كل الصفات التي رسمها في ذهنه لرفيقة العمر. إلى هنا والأمور في ظاهرها على الأقل تسير على ما يرام، إلا أن الأيام تخبئ لنصفي التفاحة الكثير من المآسي والآهات التي لم تكن في حسبانهما.



تفريق..وسجن..ومصير غامض!



" تزوجا بعقد شرعي موثق من محكمة رسمية ووفقاً للشروط والضوابط الدينية اللازمة، وبارك العقد جمع من الفقهاء ورجال الدين المعروفين، ليسافر الاثنان لقضاء شهر العسل في دولة مجاورة. كانت السعادة تغمرهما وتملأ حياتهما بعد أن كللت قصتهما بالنهاية المأمولة ولم يدر بخلدهما للحظة أن هذه السعادة لن تدوم طويلاً وستنقلب إلى رحلة من العذاب الذي لا ينتهي"..هكذا بدأ سيد أحمد شقيق إبراهيم الأكبر حديثه لـ "الجزيرة توك" وهو يسرد ما آلت إليه قصة إبراهيم وزوجته فاطمة، اللذان اقتيدا مكبلين بالأصفاد بعد عودتهما من شهر العسل إلى السجن بتهمة "انتهاك حرمات الله" والتورط في علاقة غير شرعية وزواج غير متكافئ النسب !!.يضيف سيد أحمد أن بعض أقارب الفتاة من المتنفذين لم يرقهم أن "يدنِس" هذا الزواج شرفهم "الرفيع" ومقامهم الاجتماعي "العالي"، وأصروا على أن يعاقب من أقترف هذا "الجرم العظيم" عقاباً رادعاً له ولكل من تسول له نفسه من العامة الاقتراب من حياض علية القوم.وأردف سيد أحمد أن شقيقه أودع في زنزانة مع اللصوص والقتلة وقطاع الطريق، ولم تفلح كل المحاولات التي بذلها ذووه لإخراجه ولو بحرية مؤقتة أو مقابل كفالة مالية كما ينص القانون، فكلما سعوا إلى ذلك سدت الأبواب في وجوههم من حيث لا يعلمون، فالقانون يسري على الصغار فقط، أما الكبار فهم من يحدد سقف القانون ومستواه!!.
وأكد شقيق إبراهيم أن أسرته اتصلت بالمنظمات المدنية وهيئات الدفاع عن حقوق الإنسان، وأصدر بعضها بيانات منددة بالاعتداء على حق شخصي أساسي كفلته الشريعة الإسلامية والدستور الموريتاني من طرف بعض من يمتلكون السلطة والمال ويطوعون القانون والعدالة وفق أهوائهم ورغباتهم الشخصية المنحرفة، ونوهت هذه البيانات إلى أن هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، وإن لم يتصدى لها بحزم فلن تكون الأخيرة.
وما زال إبراهيم في السجن - حتى كتابة هذه السطور- بعد أربعة أشهر من اعتقاله ينتظر مآلاً مجهولاً سيحدده آسروه، أما فاطمة فلم يعرف مصيرها، حيث انقطعت أخبارها منذ أن اقتيدت عنوة وهي تبكي وتصرخ من بين يدي زوجها الشرعي.


أمة " بكت" من حالها الأمم!!

حالات فصم عرى الزواج لعدم التكافؤ في النسب انتشرت في الفترة الأخيرة بشكل كبير في محيطنا العربي، واللافت في الظاهرة أن السلطات الرسمية والهيئات الحكومية المعنية تبارك في أغلب الأحيان وتغض الطرف في أحيان أخرى عن هذه التجاوزات التي تبرر عادة تبريراً دينياً، مع أن الموضوع يمثل خلافاً فقهياً أصيلاً، ففي حين يشترط أن يتسبب الزواج في ضرر بين للزوجين أو أنسبائهم ليكون التفريق ممكناً، يستند الطرف الآخر إلى حديث نبوي ضعيف السند يقول ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) في اتخاذ قرار مصيري قد يؤدي إلى تشرد أسر بأكملها وضياع أطفال لسبب تافه أستند بشكل أساسي على "العرف" دون الالتفات إلى مدى صحة أو فساد ذلك العرف.ومن المعلوم أن العرف المعتبر شرعاً هو العرف الصحيح غير المخالف لنص قطعي ومتى ما خالف العرف نصاً شرعياً أو نظامياً فإنه يعد عرفاً فاسداً لا يعتد به شرعاً ولا يمكن للقضاء أو القانون أن يضفي عليه الشرعية.ومن المضحك المبكي أننا في الحين ذاته نرى كل يوم ما خلفته ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج وانتشار العنوسة من مشاكل اجتماعية وانحرافات أخلاقية، دفعت بنا للقبول بأنماط غريبة و "غبية" من الارتباط تبدأ بالزواج العرفي مروراً بالمسيار والمتعة وأخيراً الزوج فريند، بل إنها أدت لظهور قنوات فضائية متخصصة في نشر طلبات الزواج التي "يشحت" أصحابها وصاحباتها بابتذال زوجاً أو زوجة لوجه الله!

0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي