يتم التشغيل بواسطة Blogger.

جُمدت.. فمتى تذوب؟

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات


إرتبط شريط الأخبار العاجلة – القاني الإحمرار في قناة الجزيرة - في ذهن المشاهد العربي بالأخبار المفجعة والكوارث، وزاد هذا الإرتباط وثوقاً مع توارد أخبار العدوان من غزة، والتعداد المتواصل لكَم الشهداء والجرحى الذي لا يتوقف عن التصاعد. هذا الشريط نقل خبراًَ مختلفاً يوم الجمعة الماضي، تعالت له الصيحات والتكبير وأرتفعت أصوات الزغاريد في عموم موريتانيا. فالعلاقات البغيضة مع إسرائيل جُمدت – وهو تعبير دبلوماسي أصيل لا يعني القطع النهائي - بقرار مشترك مع قطر خلال قمة غزة الطارئة المنعقدة في الدوحة..



أخيراً جمَدها..!!

منذ بداية العدوان على غزة تحرك الشارع الموريتاني بكل أطيافه للتعبير عن غضبه الشديد لإستمرار العلاقات الدبلوماسية غير المبررة مع إسرائيل التي لم تتوقف يوماً عن تصرفاتها العدوانية ضد أبناء فلسطين المغتصبة. ولم تشغل الشارع المحلي الأوضاع السياسية المتأزمة التي تعيشها البلاد منذ إنقلاب أغسطس الماضي، وما تلاه من تجاذبات حادة، ولا منعه حظر التظاهرات عن الخروج إلى الساحات والشوارع بالآلاف في مظاهرات لم تشهد لها البلاد مثيلاً، حرقت خلالها سيارات الشرطة وسقط فيها عشرات الجرحى في مشهد غير مألوف محلياً. مما دفع النظام العسكري – مرغماً – إلى بث إشاعات بعزم الجنرال ولد عبد العزيز إنهاء علاقة البلاد بإسرائيل قريباً، وبأنه سيقود شخصياً إحدى التظاهرات ليعلن خلالها هذا القرار، وفي خطوة لاحقة إستدعى السفير الموريتاني من تل أبيب لمحاولة تهدئة الغليان الشعبي الذي بات يهدد الأمن والنظام في نواكشوط. وكانت كل التوقعات السياسية متفقة على قرب إتخاذ القرار – المنتظر- لعدة عوامل منها بحث المجلس العسكري عن ما يقويه داخلياً في وجه موجة الرفض العارمة التي قابلته بها منظمات المجتمع المدني والحركات السياسية بمختلف إنتمائتها، ويأسه من المماطلة الأوربية والرفض الأميركي للإعتراف بالإنقلاب. وأكد الجنرال ولد عبد العزيز هذه التوقعات بإصراره على الحضور لقمة الدوحة برغم الضغوط الكبيرة التي مارستها السعودية ومصر عليه، ومن البديهي أن الجنرال لم يكن ليضحي بالعلاقة مع محور القاهرة الرياض من أجل المشاركة والظهور على التلفزيونات فقط. ورغم أن خطابه في الجلسة الإفتتاحية كان دون المستوى المأمول – وعذره مقبول في ذلك – إلا أن نتائج الجلسة الخاصة لقادة القمة زفت الى الموريتانيين خبر إنعتاقهم من قيد الذل الذي أدمى أيديهم منذ عام 1999 حين أعلن ولد الطائع إرتمائه المفاجيء في أحضان العدو الإسرائيلي.



بداية الحكاية..أعذار واهية



وكانت العلاقات الدبلوماسية الموريتانية الإسرائيلية قد أعلنت في ظروف خاصة ناتجة عن أحداث خاصة، فقد اعتقلت فرنسا في يونيو/حزيران 1999 أحد الضباط المقربين من الرئيس ولد الطايع بتهمة تعذيب السجناء السياسيين، فأثار ذلك غضبا ورعبا غير مسبوق في أوساط القيادة الموريتانية نظرا لإمكان امتداد الحريق إلى مناطق أبعد داخل الدائرة الحاكمة، فردت السلطة الموريتانية بقرارات غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الموريتانية الفرنسية إذ طردت الخبراء العسكريين الفرنسيين من موريتانيا، وفرضت تأشيرة دخول على جميع الفرنسيين الذين ينوون دخولها. ولم يكن للموريتانيين -الذين اكتووا بنار التبعية لفرنسا عقودا مديدة- إلا أن يفرحوا بهذه القرارات الجريئة. لكن الخوف من الانكشاف أمام فرنسا دفع القيادة الموريتانية للهروب إلى الأمام، فكانت العلاقات المفاجئة مع إسرائيل التي تهدف –حسب الظاهر– إلى مجرد تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بأقصر طريق، وهي كسب اللوبي اليهودي في الإدارة الأميركية والكونغرس ليكون ذلك تعويضا للدعم السياسي الفرنسي. ودرجت الحكومات الموريتانية المتعاقبة على تقديم مبررات لعلاقاتها مع إسرائيل أقل ما يقال فيها إنها غير مقنعة للمطلعين على الواقع المحلي. فقد ادعت أن الدافع إلى إقامة علاقات مع إسرائيل هو خدمة الفلسطينيين عبر فتح قنوات التأثير في الدولة اليهودية!، والواقع يشهد أنها جرحت مشاعر الفلسطينيين أكثر من مرة وهي تتفاخر بمد اليد لشارون في أوج مذابحه لهم، حتى طالب بعضهم بسحب عضوية موريتانيا من جامعة الدول العربية. وادعت أن "المصالح العليا" للشعب الموريتاني هي التي فرضت هذا السلوك، وهو الشعب الذي عبر بكل وسائل التعبير المتاحة عن سخطه واشمئزازه من تلك العلاقات ونزل إلى الشارع بكافة قواه السياسية والاجتماعية وتحمل الجراح والسجون والتعذيب في رفضها. ولم تتوقف منذ ذلك الحين في الشارع المحلي مظاهرات التنديد والمطالبة بقطع هذه العلاقات، ووصل الأمر في العام الماضي إلى الهجوم بالأسلحة النارية على مقر السفارة الإسرائيلية في نواكشوط.

نريدها أن تذوب

سار الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس الاعلى للدولة بعد عودته من الدوحة على قدميه - بين الحشود وهي تحمل شعارات وصور ولافتات ترحب به - من المطار إلى القصر الرئاسي. وفي ردود الأفعال الأولى على القرار الموريتاني – القطري- بتجميد العلاقات السياسية والإقتصادية مع إسرائيل، عبر السياسيون الموريتانيون عن تثمينهم لهذا القرار، ورأه البعض الأخر سحباً للبساط من تحت أقدام الجبهة المناوئة للإنقلاب التي كانت الدعوة لقطع العلاقة بإسرائيل من أولويات خطابها السياسي. إلا أن التوجس من التعبير المستخدم في هذا القرار الذي وصف العلاقات بالمجمدة، أبقى نوعاً من الضبابية وعدم وضوح الرؤية لمستقبلها، فهل هذا التجميد في "ثلاجة دبلوماسية" تبقي أقل ما يمكن إبقاؤه من تواصل مع الطرف الآخر، أم أنه تمهيد لذوبان أي صلة بقرار خاطيء لا مبرر له أذل شعباً بأكمله لم يتباطأ يوماً في نصرة فلسطين وأهلها.

0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي