
لا شك أن خارطة موريتانيا مترامية الأطراف تمثل عبئاً وعائقاً كبيراً أمام السيطرة التامة لحكام نواكشوط على مجمل أراضيها، ولا يخفى على الموريتانيين أن قدرات جيشهم المحدودة عدةً وعتاداً إضافة لمستوى عناصره الضعيف من ناحية التكوين والتدريب العسكري كلها عوامل تجعل من الجيش الموريتاني الطرف الأضعف في أي مواجهة مع تنظيم متمرس كتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي أنهك جيشاً قوياً كالجيش الجزائري وأستطاع ضرب مناطق حيوية في الجزائر العاصمة.
لمغيطي الثانية
كانت أولى "غزوات" القاعدة في موريتانيا قد أودت بخمسة عشر عنصراً وعشرات الجرحى صيف 2005 بعد هجوم مباغت على حامية لمغيطي شمال البلاد.
واستمرت عمليات التنظيم بشكل متقطع منذ ذلك الحين في الأراضي الموريتانية حتى استطاع بعض أفراده الاشتباك مع قوات الأمن في قلب نواكشوط العاصمة نهاية العام الماضي.
أما عملية تورين بالأمس والتي إن ثبتت الأنباء التي تتحدث عن مقتل 12 جندياً فيها ستكون ثاني أكبر هجوم بعد لمغيطي، وتبين هذه الحادثة لمتتبعي الشأن الأمني الموريتاني أن تنظيم القاعدة قادر وبسهولة على ضرب القوات الموريتانية في الوقت والمكان الذي يريد، والمانع الوحيد الذي يقف دون توجيهه ضربات موجعة ومتكررة في شمال البلاد هو كون قادة التنظيم لا يعتبرون موريتانيا هدفاً إستراتيجياً لهم وبالتالي لا تتعدى عملياتهم فيها نوعاً من إثبات الوجود وإيصال رسالة مفادها أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تنظيم إقليمي لا يعترف بالحدود.
جيش يحتاج لحماية!
لكن ما يثير الأسف والشفقة هو حال الشعب الموريتاني الذي يعتمد للذود عن أراضيه على قوات "مسلحة" لا تقدر على حماية نفسها!. فقادة جيشه لا همَّ لهم سوى الوصول إلى السلطة والحكم وتدبير الانقلابات تلو الإنقلابات، والغريب أن أي عقيد أو جنرال ينجح في الوصول الى السلطة يبدأ فوراً بتفكيك فصائل الجيش وخلخلته حتى يأمن على "عرشه" من غدر الرفاق.
وهكذا في لمغيطي فقد الجيش الموريتاني 15 جندياً وعشرات الجرحى، وفي العام الماضي قُتل أربعة عناصر منه في مطاردة قرب العاصمة بمنطقة الغلاوية، وبالأمس في تورين تحدثت الأنباء عن مصرع 12 عنصراً آخر من جنوده إن لم يكونوا أكثر، فهل يعقل أن جيشاً يمتلك مقاليد السلطة منذ ثلاثة عقود متتالية عاجز عن حماية حدود دولته؟ وهل توجد في العالم أجمع قوات مسلحة مهما كان ضعفها تعجز عن التصدي لهجمات متكررة وفي ذات المنطقة الجغرافية – التي تحتضن أهم مناجم البلاد وثرواتها المعدنية- من عصابات غير مدربة؟ والغريب أن المنطقة الشمالية منطقة صحراوية التضاريس أي أنها خالية من الغابات والجبال الوعرة، مما يسهل مراقبتها والتحرك فيها.
..والثالث قادم
"تورين" المنطقة التي حدث فيها هجوم الأمس تعني في العامية المتداولة محلياً جولتين، وهي ترجمة لكلمة tour بالفرنسية، فهل ستكون الجولة الثالثة في منطقة أخرى قريباً؟ لاشك في أنه إن استمر حال موريتانيا على ما هو عليه، من تخبط سياسي وإحتقان أمني ومستقبل غامض، فالقادم أدهى.
