
تشهد موريتانيا في الفترة الأخيرة تأزماً غير مسبوق بسبب الإضراب الذي بدأه أساتذة التعليم الثانوي منذ شهر تقريباً، والذي أدى اختيار منظميه لفترة الامتحانات لإثار مخاوف الطلبة وذويهم من أن يضيع عناء عام كامل من التحصيل والدراسة والسهر. عريضة المطالب المطروحة من طرف نقابة أساتذة التعليم الثانوي والتي تتركز على زيادة الأجور وتحسين أوضاعهم المادية قوبلت بالرفض من طرف وزيرة التعليم التي رأت في توقيت الإضراب نوعاً من لي الذراع، خاصة أن المفاوضات بين الطرفين كانت تسير بشكل ودي، بل إن بعض المطالب تم تنفيذها بالفعل حسبما تدعي الوزارة.
سبب البلوى
يتفق الجميع في موريتانيا من تربويين وأساتذة ومواطنين عاديين على أن سبب التدني الملاحظ في مستويات الخريجين والطلاب عائد للتخبط الكبير الذي عاشه النظام التربوي المعتمد في البلاد منذ استقلالها. فقد مر هذا النظام - الذي كان نسخة عن المناهج التعليمية الفرنسية إبان الاستعمار – بعدة تعديلات ارتجالية غير مبنية على أي أسس علمية منذ الاستقلال وحتى اليوم، ويعتبر التباين الثقافي بين إثنيات المجتمع الموريتاني السبب الرئيسي في فشل هذه التعديلات، مما جعل البلاد في فترة من الفترات "منفصمة الشخصية" تربوياً بسبب إصرار الزنوج على اللغة الفرنسية كلغة رئيسية للمناهج، واعتماد العرب للغة العربية لغة أم في التعليم. وكان التعديل الأخير في 1999 أقر بأن تكون اللغة الفرنسية لغة المناهج العلمية وحول العربية للغة ثانوية في التعليم، ولكن ما أفشل هذا التعديل هو أنه مستحيل التطبيق لأن غالبية الأساتذة والتربويين هم من خريجي "النظام الأعرج" السابق وبالتالي لا يجيدون سوى لغة واحدة.
سنة سوداء
الطلبة وخاصة الثانوية العامة (الباكلوريا) يعيشون حيرة ممزوجة بتخوف من أن تضيع سنتهم الدراسية هذا العام سدى، وبات الحديث في الصحف والمنتديات عن إمكانية أن تعلن الوزارة عن سنة بيضاء، وهو مصطلح فرنسي يطلق على العام الدراسي الذي ينتهي من غير امتحانات. مع أن تسميتها سنة سوداء أنسب. ومع أن الإضراب لا يزال مستمراً بنجاح - كما يقول منظموه – إلا أن الوزارة أكدت أكثر من مرة أنها ماضية في تنظيم امتحانات نهاية العام الدراسي في وقتها المقرر سلفاً، إلا أن المختصين يرون أن تنظيم الامتحانات في هذه الأجواء ضرب من المحال وخاصة الامتحانات الكبرى كالباكلوريا التي تتطلب تجنيد طاقات بشرية كبيرة من مراقبين ومصححين ولجان إشراف.
عنق الزجاجة
يمكن أن نصف الحالة الراهنة التي يمر بها التعليم في موريتانيا بشتى مراحله بأنها أشبه بعنق الزجاجة، فكل هذا التدني في المستويات يعتبر نتاج تراكم كثير من الأخطاء والقرارات "الحمقاء" التي من الصعب إصلاحها بين ليلة وضحاها، ولعل أبسط دليل على تردى مستويات الطلبة أن نسبة النجاح في الباكلوريا خلال الأعوام الأخيرة لم تتعدى العشرة بالمائة!!