يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الصحافي: ينقل معاناة الناس.. ولا أحد يدري بمعاناته

بواسطة جزيرتــــــــــــــــــــــــي يوم القسم : 0 التعليقات



وُصِفت قديماً بـ (صاحبة الجلالة) لدورها المحوري في نقل صورة الحياة اليومية وإيصال هموم الناس العاديين إلى مسامع ذوي الشأن، وقالوا إنها (السلطة الرابعة) التي تقوِم أداء باقي السلطات الأخرى، ألا أن أنسب الأوصاف لواقع حال الصحافة اليوم في قطر هو (مهنة المتاعب).
قد يقول القارئ أن هذا الوصف يمكن أن يطلق على الصحافة في بلدان أخرى تكبل العاملين في مجال نقل واقع الحياة بالكثير من القيود، وهو مالا نجده هنا، إلا أن متاعب الصحفي لا تقتصر على الحد من حرية التعبير، بل إن مستواه المادي ودرجة التعامل معه قد يكونان عائقاً لا يقل أثراً عن العقبات الأخرى.
عندما يتحول الحلم إلى كابوس

حصل الصحفي هشام على عقد للعمل في إحدى المؤسسات الصحفية في قطر عن طريق زميله الذي يعمل في الدوحة، وبسبب أن العمل في منطقة الخليج يرتبط في ذهنه لاشعورياً بالأجر المرتفع والظروف الاقتصادية الجيدة، لم يتوانى هشام - الشاب الصحفي الذي طحنته قسوة المعيشة، وأجل الراتب الهزيل كل مشاريعه المستقبلية من زواج وإنجاب أطفال إلى أجل غير محدد- أو يتردد للحظة في قبول هذا العرض (الحلم).
يقول هشام :"كتبت استقالتي من العمل فوراً - مع أنني كنت أعمل محرراً في إحدى أكبر الصحف في مصر بل في الوطن العربي- وحزمت حقائبي ثم حجزت مكاناً في أول رحلة متوجهة إلى الدوحة"، ويضيف هشام :"عندما بدأت في العمل في قطر كان كل شيء مختلفاً تماماً عن ما عهدته في بلدي، صحيح أن هامش الحرية هنا أكثر والمحظورات أقل، إلا أنك ستقابل الكثير من العقبات الجديدة، أولها أني ذهلت عندما وجدت أن الراتب الذي فرحت به كثيراً والذي يساوي أربع أضعاف ما أتقاضاه في بلدي لا يُمَكِنني من إيجار غرفة مفروشة في الدوحة، إضافة لتأمين مصاريف تنقلاتي الكثيرة بحكم كوني صحفياً أركض وراء الخبر، ناهيك عن التفكير في ادخار جزء منه للمستقبل". ويواصل هشام حديثه عن العقبات التي تواجه الصحفي في قطر بالقول:" الصحفي الناجح هو من يملك أكبر قدر ممكن من العلاقات مع مصادر الخبر، وهو ما يشبه المستحيل هنا، لأن المسئولين وأصحاب القرار يحجمون بشكل غريب عن التعاطي بسلاسة مع الصحفي، وينظرون إليه غالباً على أنه فضولي يسأل عن ما لا يعنيه، وبالتالي يقتصرون أحاديثهم وتصريحاتهم على أقل قدر ممكن وفي مناسبات محددة". ويقول هشام أن أكثر المواقف التي تحرجه هي حين يكون مطالباً من رئيس التحرير بإعداد مقابلة أو تحقيق عن إحدى المؤسسات، ويضيف هشام :"حين أتصل بأحد المسئولين يرد علي بلباقة :أتصل فيني بعدين!!".


رواتب الصحفيين... من عالي سما لأسفل أرض!!؟

ما قاله هشام عن ظروفه المادية قد ينطبق على بعض العاملين في مجال الصحف المحلية والذين تقل رواتب بعض من التقينا بهم عن ثلاثة آلاف ريال، إلا أن الغريب أن إحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى العاملة في قطر تقدم للصحفي الذي ما يزال تحت التجربة راتباً لا يقل عن 10800 ريال، ليرتفع حتى يصل إلى عشرات الآلاف من الريالات بمجرد توظيفه رسمياً إضافة إلى السكن وتأمين صحي شامل لهم ولأفراد أسرهم. هذا التباين الكبير يقول مراد (محرر في صحيفة قطرية محلية) أنه يسبب نوعاً من الإحساس بالغبن والدونية ويؤثر سلباً على إنتاجية الصحفي، ويضيف مراد:" من غير المنطقي أن ترى زميلك الذي يقوم بذات العمل وربما أقل يتقاضى ضعف ما تحصل عليه مرات عديدة، في حين أنكما تعملان في نفس المدينة"، ويقترح مراد أن تكون هناك مراعاة لظروف المعيشة والتضخم المتزايد الذي رفع أسعار كل شيء، ويضيف مراد:" إن الصعوبات المادية والتفكير في توفير الإيجار وثمن السيارة ودفع أقساط الأثاث إلى آخر مشاكل الحياة اليومية تؤثر على نوعية عمله الصحفي وتجعل ذهنه مشتتاً"، ويسرد مراد حالات معينة لبعض زملائه الذين يعملون في أعمال إضافية لا تمت بصلة للصحافة، يقول مراد:" أعرف زميلاً يعمل كسائق يقوم صباحاً بتوصيل أبناء جيرانه مقابل أجر شهري قد يعينه في ظروف الحياة الصعبة!، كما أنني أنا مثلاً متزوج ولدي ثلاث أولاد لكنني لا أستطيع أن أجلبهم من بلدي لأن ظروفي المادية لا تمكنني من ذلك".
ويرى مراد أن من المضحك المبكي أن يكون الصحفي الذي يفترض به أن يكون ناقلاً لمشاكل الآخرين وهمومهم يعاني في بعض الأحيان من مشاكل أكبر ومن ظروف مادية أقسى حتى من أولئك الذين يلجأون له لإيصال مشاكلهم للمسئولين.


متعاونون.. يعملون بالقطعة

بعض المؤسسات الصحفية تفضل الاعتماد على عدد من المتعاونين الذين يعملون بمكافآت بسيطة ولا يستطيعون تقديم طرح صحفي حقيقي لظروف الوقت وقيود الجهات التي يعملون بها، فمنهم من يعمل في مجالات بعيدة كل البعد عن الصحافة، كما أن اعتماد نظام القطعة وتقييم العمل المقدم سواءً كان تحقيقاً أو تغطية صحفية بحجمه وعدد كلماته بدلاً من قيمته الحقيقية أثر كثيراً على نوعية ومهنية ما تنشره الصحافة.
يقول أحد هؤلاء المتعاونين مع الصحف :"أن القلة الناجحة من المتعاونين لم تقدم لهم المؤسسات الصحفية ما يغريهم بالتفرغ لها وترك وظائفهم الأصلية وليس لديهم الاستعداد للتفرغ للعمل الصحفي والمخاطرة بمستقبلهم المعيشي. أما المتفرغون للعمل الصحفي فليسوا أفضل حالاً من زملائهم المتعاونين".


الصحافي .. مهنة غير مرغوبة
ما زالت أغلب المؤسسات الصحفية غير قادرة على استقطاب الكفاءات الشابة وتدريبها لتقديم عمل صحفي مميز لقلة الحوافز الممنوحة، كما أن انعدام المكافآت التشجيعية وندرة البرامج التدريبية التطويرية للعاملين في الصحافة المحلية والتي ترفع من مستوى تأهيلهم بالإضافة إلى معاناتهم المستديمة في الشعور بغياب الأمان الوظيفي كلها تجعل من أداءهم روتينياً ويفتقر إلى الإبداع، ومن البديهي صعوبة إبداع العنصر البشري وهو يعاني من الخوف وغياب التقدير. يقول أحد الصحفيين الذين عملوا لسنوات في الصحافة القطرية:"لقد خسرت المؤسسات الصحفية المحلية في السنوات السابقة عدداً من الأسماء الفاعلة في المشهد الصحفي للأسباب السابقة وتوارى صحفيون كثر عن المشهد الصحفي واختاروا العمل في جهات حكومية، كما أن الخريجين الجدد يفضلون العمل في المؤسسات الخاصة، وأماكن أخرى أقل بكثير من قدراتهم ولكنها تحقق لهم في فترات قصيرة ما لم تستطع المؤسسات الصحفية تحقيقه في سنوات طويلة وما زالت الشكوى قائمة والمشكلة أن هناك اتهامات لهذه المؤسسات بعدم إفساح المجال للشباب القطري للعمل فيها". إن الموارد البشرية الصحفية اليوم بحاجة إلى الالتفات أكثر من أي وقت مضى ولن تستطيع الصحافة تقديم عمل حقيقي يشبع نهم القارئ ويرضي طموح المجتمع ما لم تبادر إلى تبني سياسات جادة في الاهتمام بكادرها البشرية.

نقلاً عن صحيفة العرب القطرية

0 التعليقات :

تصميم وتطوير منتديات سامي