لكن تختلف الأعراس في العالم أجمع باختلاف العادات والتقاليد والموروث الاجتماعي، ويطبع هذه الطقوس - التي تتوارثها الأجيال – طابع الغرابة مما يجعلها أحياناً أشبه بالأسطورة والخيال في بعض الثقافات الإفريقية والآسيوية مثلاً.
في موريتانيا تختلف ليلة الزواج الأولى اختلافا جذريا عن ما يحدث في باقي البلدان الأخرى، فرغم كون العرس يوم فرح تقرع فيه الطبول، وتنصب الخيام البيضاء المزركشة، وتعلو فيه الزغاريد، ويستبدل الناس ثيابهم بأخرى جديدة لحضور اليوم السعيد. إلا أن ذلك لم يمنع من الاحتفاظ بعادة فريدة ورثها الموريتانيون منذ القدم عن أسلافهم ولم تفلح كل موجات التحضر والتمازج الثقافي مع الشعوب الأخرى في محوها أو التأثير عليها، ومن أغرب هذه التقاليد ارتباط اللون الأسود بهذه المناسبة السعيدة كارتداء العروس لثوب اسود، وتخضيب يديها وأرجلها بحناء شديدة السواد، كما يضع العريس شالاً أسود على رقبته طيلة أيام العرس – التي تمتد أحياناً لأسبوع كامل - ولا تزف العروس لعريسها إلا ليلة ظلماء حالكة السواد!!
اختيار الموريتانية للثوب الأسود في الواقع لا يخرج عن سياق الاستخدام المألوف للسواد، للتعبير عن الأسف والحزن، فالفتاة تغادر منزل ذويها الذي تربت فيه وترعرعت بين جدرانه إلى بيت آخر وعالم جديد مختلف. ولعل من أكثر التقاليد الموريتانية غرابة بقاء العروس في بيت خاص لا تخرج منه طيلة أيام العرس، ولا يدخل عليها سوي قلة من أقاربها أو صديقاتها، وتغطي وجهها بحيث لا يرى طيلة أسبوع كامل.
وتبقى (الزفة الموريتانية) أغرب ما في ليلة العرس، حيث تتمنع العروس وتبكي حين يأتي العريس لأخذها إلى (المرّوَح) وهو ما يعرف في بعض المناطق العربية بالكوشة، لتتطور الأحداث إلى نقاشات حادة ومناوشات بالأيدي والعصي بين أصدقاء العريس ورفيقات العروس، كما تخطط رفيقات العروس أحياناً لإخفائها فيما يعرف محلياً بـ (الترّواَغ). مما يستوجب من العريس ورفاقه توخي الحذر وانتداب أحدهم كمراقب دائم في بيت أهلها يحرس كل حركاتهن.
ولا تنتهي هذه التقاليد الموريتانية المميزة بانتهاء أيام العرس بل تمتد لبقية العمر، فالعريس مثلاً لا يحبذ له أن يجلس مع حماه في ذات المكان، وعليه أن يتحاشى قدر الإمكان مقابلته حتى في الطريق أو الأماكن العامة. كما أن العروس عندما تذهب إلى بيت زوجها لا تشرب أو تأكل أمام أمه أو أبيه، ويسمى هذا الحياء المبالغ فيه بـ (السّحوَة).
ورغم كل هذه المظاهر التي تغرق في السواد إلا أن مظاهر الفرح والابتهاج تبقى حاضرة بقوة على ملامح الوجوه وفي الأهازيج الجميلة التي يتغنى بها المطربون.
أليس من حقنا هنا أن نتساءل لماذا اللون الأسود هو لون الحداد؟ ولماذا لا ننظر إليه كبقية الألوان؟ يقول المؤرخون ان هذه الطقوس هي عادة متوارثة عن الأندلسيين،
يقول الشاعر: صدقتم فالبيَاضُ لِبَاسُ حزنٍ ** ولاَ حزنٌ أشدُ منَ المشيبِ !
1 التعليقات :
-
غير معرف يقول...
-
سئل أحد الظرفاء: لماذا يلبس حكم كرة القدم بذلة سوداء؟
فأجاب: حزناً على الأهداف الضائعة!
ولا أحسب القوم سائرين على سنة حكام كرة القدم، فلا "أهداف" أصلاً للزواج في موريتانيا حتى يحزن العرسان عليها...
ولعل الإيحاء الوحيد الذي يعطيه اتشاح العروس بالسواد هو تنبيه العريس إلى "الثقب الأسود" الذي سيبتلعه ثم لا يخرج منه إلا بـ"جـيـبـي" حُـنين!.. -
6 مايو 2008 في 3:41 م