ظاهرة الخلط بين بين الكلمات العربية والعبارات الأنجليزية أصبحت أمراً مألوفاً في السنوات الأخيرة بين أوساط الشباب ، حتى انها باتت تمثل تهديداً ثقافياً وحضارياً داهماً للثقافة العربية ومع أن البعض يراها ظاهرة هامشية طارئة لن تنال من قوة اللغة العربية ، معلالاً بأن الخلط بين العربية وكلمات أنجليزية لتنشأ عنه مصطلحات هجينة لايعدو كونه أخذاً لقشور الحضارة الغربية من ناحية ، وربط اللغة العربية بالعجز عن مواكبة العصر من ناحية أخرى.
لكن الأنتشار الكبير لهذه العبارات والجمل يدفع للتساؤل عن كيف نحمي لغتنا العربية من هذه الظاهرة؟ وعلى عاتق من تقع مسؤلية ذلك ؟ وهل العربية حقاً لغة كفيلة بالحفاظ على ذاتها ؟
العربيزية .. هل هي بداية نهاية لغتنا
"أنا رايح الماركت عشان أشوف الغروب ونرتب الكانبيج "، ان لم تكن ملماً بالعربيزية فستجد صعوبة في فهم العبارة السابقة التي تعني :" أنا ذاهب الى السوق للقاء رفاقي للتحضير للرحلة"!!
العربيزي مصطلح يجمع بين كلمتي عربي وأنجليزي وهو جمع بين اللغتين في سياق لايرقى الى أستخدام ظاهرة أزدواجية اللغة ، ففي الغالب لايكون المتكلمون بهذه " اللغة" متمكنين لا من العربية ولا من الأنكليزية.
الأمر في البداية كان كتعبير عن مستوى معين من الثقافة والتحضر وأقتصر على فئة محددة من الشباب المتأثر بالغرب.
وهناك من يراها ظاهرة جيدة وتعبيراً عن الرقي والتحضر خاصة أن الكل يتحدثون بهذه العبارات " المودرن" ، الا أن أستخدام هذا المزج يكثر في الحوارات التي تشتمل عبارات صعبة أو محرمة في الثقافة العربية مثل المواضيع المتعلقة بالجنس.
يقول الأستاذ عبدالله محمد وهو مدرس لغة عربية أن انتشار هذه العبارات الهجينة له أثر كبير وخطير على مستوى الطالب في اللغتين العربية والأنجليزية ، فلا هو يتكلم العربية بنطق سليم ولا يعرف من الأنجليزية الا كلمات مشوهة لاتعبر في الغالب عن معناها الصحيح.
ويذكر الأستاذ عبدالله حادثة صادفته اثناء أحد الأمتحانات في مادة التعبير حين كتب تلميذ عبارة " ستايل" في أحدى الجمل ، وعندما أستفسره عن معناها وهل هي كلمة عربية أجاب التلميذ بكل ثقة طبعاً هي كلمة عربية وأنا أسمعها كل يوم في التلفزيون!!
دور الأعلام
لاشك أن انتشار الفضائيات كان له دور كبير في نشر ظاهرة العربيزي وذلك بسبب التهاون –المقصود ربما- في اللغة المستخدمة في هذه المحطات سواءاً على مستوى المادة أو على مستوى تمكن المذيعين من العبارات اللغوية.
أن السبب الأكبر في أنتشار هذه الظاهرة هو التلفزيون وبرامجه الهابطة التي نشرت هذه العبارات التي لاهي عربية ولاهي من أي لغة أخرى ، كما أن البرامج التلفزيونية أصبحت تتنافس في التسميات "العربيزية" مثل برنامج فلانة شو وبرنامج ترتاتا وسكوب... الى أخر التسميات الغريبة.
كما أن أخر صيحات المحطات الفضائية هي العربيزية المكتوبة !! ، وانتقال الظاهرة من المنطوق الى المكتوب حيث توجد قنوات فضائية مخصصة للرسائل النصية والأهداءات التي تكتب فيها الكلمات العربية بأحرف أنكليزية ، وهو مانلاحظه أيضاً في الرسائل النصية التي ترسل في الهواتف المحمولة .
يقول راجي وهو مسير لأحد مقاهي الأنترنت في أن التراسل الألكتروني بالعربيزية المكتوبة صار أمراً مألوفاً ، بل ان الشباب يتفنون في تطويره حيث أنه أصبح يعتمد على الخلط بين الحروف والأرقام وذلك للرمز للأحرف العربية التي لم يجدوا لها مرادفات في الأحرف اللاتينية مثل الحاء الذي صار رقم 7، والعين التي يرمز لها الرقم 3...الخ
وبينما أنا أتحدث مع صاحب المقهى اذ جاءنا طفل صغير لايتعدى عمره الـ 10 سنوات وخاطبه قائلاً:"عملت ديتلكت وفرمت البي سي بس الفايلات ماظهرت !! ".
الدور الرسمي
أستطاعت اليابان وألمانيا وفرنسا الحفاظ على اللغة الأصلية في وجه المد الأنجليزي وكان هذا اثباتاً على أن اللغة مهما كانت لاتقف عائقاً في وجه التقدم والتحضر.
بل ان البرلمان الفرنسي اصدر سلسلة من القرارات على مدى العقود الماضية بضرورة أحترام الفرنسية ، وقبل أيام أصدر الرئيس ساركوزي قراراً بأغلاق قناة فرنسا24 التي تنطق بالأنجليزية قائلاً أنه لايقبل ان تستمر القناة في البث ونشر اللغة الأنجليزية وهي ممولة بفرض ضرائب على المواطنين الفرنسيين.
وفي الوقت ذاته يذكر خبراء من الأمم المتحدة أن 234 لغة أصلية معاصرة أختفت كلياً في القرن الماضي، محذرين من أن 90% من اللغات واللهجات المحلية في العالم سوف تختفي في القرن الواحد والعشرين.
معاهد تدريس عربيزية !!
ومع التنامي المخيف لهذه اللغة الهجينة في شتى مناحي الحياة يخشى المهتمون بأن المستقبل سيشهد – اذا ما أستمر الحال كما هو الأن- تطوراً كبيراً يهدد اللغة العربية خاصة بعد أن تكبر أجيال تجهل التعامل مع لغتها الأم.
ومن غير المستبعد أن تطالعنا أعلانات توظيف تشترط في المتقدمين اجادة اللغة العربيزية كتابة وقراءة.!!واستحداث معاهد تدرس العربيزية للمهتمين بتطوير مستوياتهم الوظيفية..